العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

طبيب وقاتل؟ ما يصير

عندما‭ ‬يقول‭ ‬عربي‭ ‬إن‭ ‬‮«‬أمورنا‭ ‬ماشية‭ ‬بالبركة‮»‬،‭ ‬فإنه‭ ‬يقصد‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الأمور‭ ‬تسير‭ ‬بغير‭ ‬تخطيط‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬فإنها‭ ‬ببركة‭ ‬السماء‭ ‬‮«‬ماشية‮»‬‭. ‬ونحن‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬تسير‭ ‬فيه‭ ‬الأمور‭ ‬خبط‭ ‬عشواء،‭ ‬أي‭ ‬بلا‭ ‬ضوابط‭ ‬أو‭ ‬موجِّهات،‭ ‬وفي‭ ‬إحدى‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الإفريقية،‭ ‬نال‭ ‬رجل‭ ‬تجاوز‭ ‬الأربعين‭ ‬حكما‭ ‬بالسجن،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الثابت‭ ‬أنه‭ ‬قتل‭ ‬شخصين‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬عمدا‭ ‬ومع‭ ‬سبق‭ ‬الإصرار‭ ‬والترصد‭. ‬بدأت‭ ‬الحكاية‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬عشرين‭ ‬سنة،‭ ‬عندما‭ ‬التحق‭ ‬الرجل‭ (‬س‭) ‬بالجامعة‭ ‬لدراسة‭ ‬الأحياء‭. ‬ولأنه‭ ‬يحمل‭ ‬الجينات‭ ‬العربية‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬أهله‭ ‬يأملون‭ ‬أن‭ ‬يدرس‭ ‬الطب‭. ‬المهم‭ ‬ان‭ ‬‮«‬س‮»‬‭ ‬رسب‭ ‬في‭ ‬الامتحان‭ ‬بنهاية‭ ‬سنته‭ ‬الدراسية‭ ‬الأولى،‭ ‬يعني‭ ‬صار‭ ‬كل‭ ‬مؤهله‭ ‬الأكاديمي‭ ‬هو‭ ‬الشهادة‭ ‬الثانوية،‭ ‬ووقع‭ ‬في‭ ‬حيص‭ ‬بيص‭: ‬ما‭ ‬يصير‭.. ‬الوالد‭ ‬ينتظرني‭ ‬كي‭ ‬افتح‭ ‬عيادة‭ ‬في‭ ‬بلدتنا‭ ‬وأنا‭ ‬لم‭ ‬أفلح‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬علم‭ ‬الأحياء،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬أتصرف‭ ‬حتى‭ ‬أرفع‭ ‬رأس‭ ‬العائلة‭.. ‬وهكذا‭ ‬قرر‭ ‬ان‭ ‬يصبح‭ ‬طبيبا‭ ‬‮«‬بالعافية‮»‬،‭ ‬يا‭ ‬بدون‭ ‬مؤهلات‭ ‬حقيقية‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يدري‭ ‬أنه‭ ‬بذلك‭ ‬سيجعل‭ ‬رأس‭ ‬العائلة‭ ‬‮«‬واطيا‮»‬‭ ‬أي‭ ‬منكسرا،‭ ‬ولتنفيذ‭ ‬مخططه‭ ‬الإجرامي،‭ ‬ظل‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬أهله‭ ‬سنوات‭ ‬ليوهمهم‭ ‬أنه‭ ‬يدرس‭ ‬الطب،‭ ‬وخاصة‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬دراسة‭ ‬الطب‭ ‬تستغرق‭ ‬سنوات‭ ‬أطول‭ ‬من‭ ‬التي‭ ‬يستغرقها‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭. ‬ثم‭ ‬صار‭ ‬طبيبا‭ ‬عموميا‭! ‬كيف؟‭ ‬التقى‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬بطبيب‭ ‬كان‭ ‬يحلم‭ ‬بالسفر‭ ‬الى‭ ‬الخارج‭ ‬لنيل‭ ‬الدراسات‭ ‬العليا،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬مسنودا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬‮«‬رأس‭ ‬كبير‮»‬‭ ‬في‭ ‬الحكومة،‭ ‬أو‭ ‬يملك‭ ‬المال‭ ‬الذي‭ ‬يجعله‭ ‬يدرس‭ ‬على‭ ‬نفقته‭ ‬الخاصة،‭ ‬فقال‭ ‬له‭: ‬بسيطة‭. ‬أنا‭ ‬عندي‭ ‬واسطة‭ ‬قوية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬وزارات‭ ‬الدولة‭.. ‬أعطني‭ ‬شهاداتك‭ ‬وسأخدمك‭ ‬لوجه‭ ‬الله،‭ ‬كلها‭ ‬كذا‭ ‬يوم‭ ‬وأوراقك‭ ‬تكون‭ ‬جاهزة‭ ‬ومعها‭ ‬تذاكر‭ ‬السفر،‭ ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬اولى‭ ‬خطواته‭ ‬لممارسة‭ ‬الطب‭. ‬فقد‭ ‬تلاعب‭ ‬بشهادات‭ ‬ذلك‭ ‬الطبيب‭ ‬فصارت‭ ‬تحمل‭ ‬اسمه،‭ ‬وعليها‭ ‬أختام‭ ‬حقيقية،‭ ‬ولأننا‭ ‬قوم‭ ‬نعشق‭ ‬الورق‭ ‬الملون‭ ‬والمبروز‭ ‬فقد‭ ‬صار‭ ‬بمقدور‭ ‬صاحبنا‭ ‬ان‭ ‬يسجل‭ ‬اسمه‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬كطبيب‭. ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ليرضي‭ ‬طموحه‭: ‬طبيب‭ ‬‮«‬حاف‮»‬‭/ ‬عمومي‭/ ‬ممارس‭ ‬عام؟‭ ‬لقب‭ ‬ما‭ ‬عنده‭ ‬قيمة‭. ‬إذن‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬ان‭ ‬أصبح‭ ‬اختصاصيا‭.. ‬وبكل‭ ‬سهولة‭ ‬اقنع‭ ‬طبيبا‭ ‬يملك‭ ‬ويدير‭ ‬مجمعا‭ ‬طبيا‭ ‬بأنه‭ ‬اختصاصي‭ ‬في‭ ‬أمراض‭ ‬النساء‭ ‬والولادة‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬صاحب‭ ‬المجمع‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أمره،‭ ‬فاضطر‭ ‬‮«‬س‮»‬‭ ‬الى‭ ‬الهرب،‭ ‬ثم‭ ‬اصطاد‭ ‬اختصاصيا‭ ‬حقيقيا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬أمراض‭ ‬النساء‭ ‬والتوليد،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أوهمه‭ ‬بأن‭ ‬له‭ ‬صلات‭ ‬بمنظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬وأنه‭ ‬سيضمن‭ ‬له‭ ‬بعثة‭ ‬دراسية‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬لينال‭ ‬تخصصا‭ ‬‮«‬دقيقا‮»‬‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العقم‭/ ‬الخصوبة،‭ ‬وهكذا‭ ‬وضع‭ ‬يده‭ ‬على‭ ‬شهادات‭ ‬هذا‭ ‬الاختصاصي‭ ‬وبقليل‭ ‬من‭ ‬التلاعب‭ ‬وضع‭ ‬‮«‬س‮»‬‭ ‬اسمه‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الشهادات،‭ ‬وصار‭ ‬اختصاصيا‭ ‬‮«‬رسميا‮»‬‭. ‬ولأن‭ ‬الرَّك‭ ‬على‭ ‬الورق‭ ‬الملون‭ ‬والمبروز‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬تعيينه‭ ‬رئيسا‭ ‬لقسم‭ ‬النساء‭ ‬والولادة‭ ‬في‭ ‬مستشفى‭ ‬بعاصمة‭ ‬إقليمية‭. ‬وسارت‭ ‬أحواله‭ ‬تمام‭ ‬التمام،‭ ‬يقول‭ ‬لهذه‭: ‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬الجنين‭ ‬سليم‭ ‬بس‭ ‬خذي‭ ‬حبوب‭ ‬الحديد‭ ‬وحامض‭ ‬الفوليك‭.. ‬ويطلب‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬تصوير‭ ‬الجنين‭ ‬بالموجات‭ ‬الصوتية‭.. ‬وشيئا‭ ‬فشيئا‭ ‬صدق‭ ‬‮«‬س‮»‬‭ ‬نفسه‭ ‬وقرر‭ ‬ممارسة‭ ‬تخصصه‭ ‬بالكامل،‭ ‬وجاء‭ ‬الدور‭ ‬على‭ ‬امرأة‭ ‬توجَّب‭ ‬توليدها‭ ‬قيصريا‭ ‬فشق‭ ‬بطنها،‭ ‬وماتت‭ ‬ومات‭ ‬الجنين‭.. ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬شيء‭.. ‬تحصل‭ ‬في‭ ‬أرقى‭ ‬المستشفيات‭.. ‬ولكنه‭ ‬تمادى‭ ‬وأدخل‭ ‬امرأة‭ ‬أخرى‭ ‬غرفة‭ ‬العمليات‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أصلا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬عملية،‭ ‬وفتح‭ ‬بطنها،‭ ‬و‭........ ‬ماتت‭.. ‬وأدرك‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬معه‭ ‬من‭ ‬ممرضين‭ ‬وأطباء‭ ‬مساعدين‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬حتى‭ ‬مهارات‭ ‬جزار‭/ ‬قصاب‭. ‬وبدأت‭ ‬التحريات‭ ‬وانكشف‭ ‬أمره‭ ‬ودخل‭ ‬السجن‭. ‬واخد‭ ‬بالك؟‭ ‬قتل‭ ‬امرأتين‭ ‬وانتهك‭ ‬أعراض‭ ‬عشرات‭ ‬وربما‭ ‬مئات‭ ‬النساء‭ ‬وعقابه‭ ‬فقط‭ ‬السجن‭!!‬

قبل‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭ ‬تم‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬طبيب‭ ‬أسنان‭ ‬آسيوي‭ ‬في‭ ‬عاصمة‭ ‬خليجية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ذاع‭ ‬أمره‭ ‬وكثر‭ ‬زبائنه‭: ‬خلع‭ ‬الضرس‭ ‬بما‭ ‬يعادل‭ ‬خمسة‭ ‬دولارات‭ ‬وعلاج‭ ‬العصب‭ ‬بـ10‭ ‬دولارات،‭ ‬واتضح‭ ‬أن‭ ‬مهنة‭ ‬الرجل‭ ‬الأصلية‭ ‬فني‭ ‬كهرباء‭... ‬فاشل‭ ‬لنا‭ ‬الله‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا