زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
طبيب وقاتل؟ ما يصير
عندما يقول عربي إن «أمورنا ماشية بالبركة»، فإنه يقصد أن تلك الأمور تسير بغير تخطيط ومع هذا فإنها ببركة السماء «ماشية». ونحن نعيش في جزء من العالم تسير فيه الأمور خبط عشواء، أي بلا ضوابط أو موجِّهات، وفي إحدى الدول العربية الإفريقية، نال رجل تجاوز الأربعين حكما بالسجن، رغم أنه من الثابت أنه قتل شخصين على الأقل عمدا ومع سبق الإصرار والترصد. بدأت الحكاية قبل نحو عشرين سنة، عندما التحق الرجل (س) بالجامعة لدراسة الأحياء. ولأنه يحمل الجينات العربية فقد كان أهله يأملون أن يدرس الطب. المهم ان «س» رسب في الامتحان بنهاية سنته الدراسية الأولى، يعني صار كل مؤهله الأكاديمي هو الشهادة الثانوية، ووقع في حيص بيص: ما يصير.. الوالد ينتظرني كي افتح عيادة في بلدتنا وأنا لم أفلح حتى في دراسة علم الأحياء، لا بد أن أتصرف حتى أرفع رأس العائلة.. وهكذا قرر ان يصبح طبيبا «بالعافية»، يا بدون مؤهلات حقيقية وهو لا يدري أنه بذلك سيجعل رأس العائلة «واطيا» أي منكسرا، ولتنفيذ مخططه الإجرامي، ظل بعيدا عن أهله سنوات ليوهمهم أنه يدرس الطب، وخاصة أنه من المعروف أن دراسة الطب تستغرق سنوات أطول من التي يستغرقها أي نوع آخر من الدراسات في الجامعات. ثم صار طبيبا عموميا! كيف؟ التقى ذات مرة بطبيب كان يحلم بالسفر الى الخارج لنيل الدراسات العليا، ولم يكن مسنودا من قبل «رأس كبير» في الحكومة، أو يملك المال الذي يجعله يدرس على نفقته الخاصة، فقال له: بسيطة. أنا عندي واسطة قوية في كل وزارات الدولة.. أعطني شهاداتك وسأخدمك لوجه الله، كلها كذا يوم وأوراقك تكون جاهزة ومعها تذاكر السفر، وكانت تلك اولى خطواته لممارسة الطب. فقد تلاعب بشهادات ذلك الطبيب فصارت تحمل اسمه، وعليها أختام حقيقية، ولأننا قوم نعشق الورق الملون والمبروز فقد صار بمقدور صاحبنا ان يسجل اسمه في وزارة الصحة كطبيب. ولكن ذلك لم يكن ليرضي طموحه: طبيب «حاف»/ عمومي/ ممارس عام؟ لقب ما عنده قيمة. إذن لا بد ان أصبح اختصاصيا.. وبكل سهولة اقنع طبيبا يملك ويدير مجمعا طبيا بأنه اختصاصي في أمراض النساء والولادة. غير أن صاحب المجمع شك في أمره، فاضطر «س» الى الهرب، ثم اصطاد اختصاصيا حقيقيا في مجال أمراض النساء والتوليد، بعد أن أوهمه بأن له صلات بمنظمة الصحة العالمية وأنه سيضمن له بعثة دراسية في أوروبا، لينال تخصصا «دقيقا» في مجال العقم/ الخصوبة، وهكذا وضع يده على شهادات هذا الاختصاصي وبقليل من التلاعب وضع «س» اسمه على تلك الشهادات، وصار اختصاصيا «رسميا». ولأن الرَّك على الورق الملون والمبروز فقد تم تعيينه رئيسا لقسم النساء والولادة في مستشفى بعاصمة إقليمية. وسارت أحواله تمام التمام، يقول لهذه: الحمد لله الجنين سليم بس خذي حبوب الحديد وحامض الفوليك.. ويطلب من تلك تصوير الجنين بالموجات الصوتية.. وشيئا فشيئا صدق «س» نفسه وقرر ممارسة تخصصه بالكامل، وجاء الدور على امرأة توجَّب توليدها قيصريا فشق بطنها، وماتت ومات الجنين.. ما فيها شيء.. تحصل في أرقى المستشفيات.. ولكنه تمادى وأدخل امرأة أخرى غرفة العمليات دون أن تكون أصلا بحاجة إلى عملية، وفتح بطنها، و........ ماتت.. وأدرك من كانوا معه من ممرضين وأطباء مساعدين أنه لا يملك حتى مهارات جزار/ قصاب. وبدأت التحريات وانكشف أمره ودخل السجن. واخد بالك؟ قتل امرأتين وانتهك أعراض عشرات وربما مئات النساء وعقابه فقط السجن!!
قبل سنوات قليلة تم القبض على طبيب أسنان آسيوي في عاصمة خليجية بعد أن ذاع أمره وكثر زبائنه: خلع الضرس بما يعادل خمسة دولارات وعلاج العصب بـ10 دولارات، واتضح أن مهنة الرجل الأصلية فني كهرباء... فاشل لنا الله.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك