العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

السمعة الطيبة ثروة لا تنضب

سأخوض‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬أمر،‭ ‬قد‭ ‬يجعلك‭ ‬تحسب‭ ‬أنني‭ ‬صرت‭ ‬عميلا‭ ‬للأمريكان،‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬كنت‭ ‬عميلا‭ ‬لـ«البريطان‮»‬‭ ‬لأنه‭ ‬سبق‭ ‬لي‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأنني‭ ‬كنت‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬موظفا‭ ‬تابعا‭ ‬لوزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬البريطانية،‭ ‬بصفة‭ ‬ضابط‭ ‬إعلام‭/ ‬مترجم‭ ‬في‭ ‬السفارة‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬الخرطوم،‭ ‬علما‭ ‬بان‭ ‬تلك‭ ‬الوزارة‭ ‬مسؤولة‭ ‬عن‭ ‬جهاز‭ ‬المخابرات‭ ‬البريطاني‭ ‬إم‭ ‬آي‭ ‬6‭.‬

سأسرد‭ ‬عليكم‭ ‬بعض‭ ‬تفاصيل‭ ‬‮«‬حكاية‮»‬‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬حكايتين‭ ‬بينهما‭ ‬رابط‭ ‬عضوي‭: ‬كان‭ ‬الامريكي‭ ‬بوتش‭ ‬أوهير‭ ‬يقود‭ ‬سربا‭ ‬من‭ ‬المقاتلات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬اليابان،‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬المحيط‭ ‬الهادي‭ ‬عندما‭ ‬ادرك‭ ‬ان‭ ‬وقود‭ ‬طائرته‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬لإنجاز‭ ‬المهمة،‭ ‬فتلقى‭ ‬الامر‭ ‬من‭ ‬قيادته‭ ‬بالعودة‭ ‬الى‭ ‬حاملة‭ ‬الطائرات‭ ‬ليغزينجتون،‭ ‬وفي‭ ‬طريق‭ ‬عودته‭ ‬رأى‭ ‬تشكيلا‭ ‬جويا‭ ‬يابانيا‭ ‬يتجه‭ ‬صوب‭ ‬مواقع‭ ‬الاسطول‭ ‬الامريكي،‭ ‬فانتابه‭ ‬القلق‭ ‬لأن‭ ‬الاسطول‭ ‬كان‭ ‬بلا‭ ‬غطاء‭ ‬جوي‭ ‬يحميه‭ ‬من‭ ‬الغارة‭ ‬المرتقبة،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬أدوات‭ ‬الاتصال‭ ‬المستخدمة‭ ‬وقتها‭ ‬تصلح‭ ‬لإرسال‭ ‬إشارات‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬الى‭ ‬قيادة‭ ‬الاسطول،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منه‭ ‬الا‭ ‬ان‭ ‬اتجه‭ ‬صوب‭ ‬الطائرات‭ ‬اليابانية،‭  ‬وفتح‭ ‬النار‭ ‬عليها،‭ ‬وهكذا‭ ‬اشتبك‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬معركه‭ ‬غير‭ ‬متكافئة،‭ ‬ظل‭ ‬خلالها‭ ‬يراوغ‭ ‬يمينا‭ ‬ويسارا‭ ‬حتى‭ ‬اسقط‭ ‬طائرتين،‭ ‬ثم‭ ‬نفذت‭ ‬ذخيرته‭ ‬فقرر‭ ‬شن‭ ‬هجمات‭ ‬انتحارية‭ ‬عليها،‭ ‬وظل‭ ‬يصطدم‭ ‬بالمقاتلات‭ ‬اليابانية‭ ‬يكسر‭ ‬مروحة‭ ‬هذه،‭ ‬وجزءا‭ ‬من‭ ‬جناح‭ ‬تلك،‭ ‬وكانت‭ ‬محصلة‭ ‬مغامرته‭ ‬تلك‭ ‬سقوط‭ ‬6‭ ‬طائرات‭ ‬يابانية‭ ‬وتشتيت‭ ‬السرب‭ ‬الياباني،‭ ‬حيث‭ ‬اضطرت‭ ‬بقية‭ ‬الطائرات‭ ‬اليابانية‭ ‬الى‭ ‬العودة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬اتت،‭ ‬ونجح‭ ‬اوهير‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬بطائرته‭ ‬الى‭ ‬ليغزينجتون،‭ ‬وكان‭ ‬اول‭ ‬من‭ ‬نال‭ ‬ميدالية‭ ‬الكونجرس‭ ‬الامريكي‭ ‬للشرف‭ ‬وتم‭ ‬إطلاق‭ ‬اسمه‭ ‬على‭ ‬مطار‭ ‬شيكاغو‭ ‬الحالي‭. ‬

وإليكم‭ ‬الحكاية‭ ‬الثانية‭ ‬عن‭ ‬المحامي‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬اشتهر‭ ‬بلقب‭ ‬‮«‬إيزي‭ ‬ايدي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تولى‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬زعيم‭ ‬المافيا‭ ‬الاشهر‭ ‬ال‭ ‬كابوني،‭ ‬ونجح‭ ‬في‭ ‬تبرئته‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬تهمة‭ ‬الصقت‭ ‬به‭ ‬،‭ ‬فكافأه‭ ‬ال‭ ‬كابوني‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ينشط‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تهريب‭ ‬المخدرات‭ ‬والخمور‭ ‬وإدارة‭ ‬بيوت‭ ‬الدعارة،‭ ‬بان‭ ‬منحه‭ ‬بيتا‭ ‬ضخما‭ ‬بخدمه‭ ‬وحشمه‭ ‬وأرصدة‭ ‬مالية‭ ‬هائلة،‭ ‬وكان‭ ‬لهذا‭ ‬المحامي‭ ‬ولد‭ ‬وحيد‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يوفر‭ ‬له‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يشتهي‭: ‬سيارات‭ ‬ومربيات‭ ‬ومدرسون‭ ‬خصوصيون‭ ‬ولعب‭ ‬ودمى،‭ ‬وكان‭ ‬حريصا‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬يغرس‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬ابنه‭ ‬قيم‭ ‬الخير‭ ‬والفضيلة،‭ ‬ثم‭ ‬تذكّر‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬قدوة‭ ‬حسنة‭ ‬حتى‭ ‬يعظ‭ ‬ابنه‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الأمور،‭ ‬وأدرك‭ ‬أيضا‭ ‬انه‭ ‬لن‭ ‬يترك‭ ‬لابنه‭ ‬سمعة‭ ‬حسنة‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬فخورا‭ ‬به‭ ‬كأب‭ ‬طالما‭ ‬ان‭ ‬اسمه‭ ‬مرتبط‭ ‬بالإجرام،‭ ‬وثروته‭ ‬حرام‭ ‬في‭ ‬حرام،‭  ‬وأن‭ ‬الجميع‭ ‬يعرفون‭ ‬أن‭ ‬ال‭ ‬كابوني‭ ‬الذي‭ ‬حصل‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬البراءة،‭ ‬قاتل‭ ‬ومجرم‭ ‬قذر‭. ‬وعندما‭ ‬تم‭ ‬اعتقال‭ ‬ال‭ ‬كابوني‭ ‬مجددا‭ ‬بتهمة‭ ‬بسيطة‭ ‬وقف‭ ‬المحامي‭ ‬ايزي‭ ‬ايدي‭ ‬الى‭ ‬جواره‭ ‬ولكن‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬يفند‭ ‬التهمة‭ ‬بدأ‭ ‬يدلي‭ ‬بإفادة‭ ‬طويلة‭ ‬كشف‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬تفاصيل‭ ‬جرائم‭ ‬ال‭ ‬كابوني‭ ‬السابقة‭: ‬قتل‭ ‬فلان‭ ‬وفلان‭ ‬بتاريخ‭ ‬كذا،‭ ‬ويستخدم‭ ‬المستودعات‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬كذا‭ ‬لتخزين‭ ‬المخدرات،‭ ‬وهذه‭ ‬قائمة‭ ‬بأوكار‭ ‬الدعارة‭ ‬والقمار‭ ‬التي‭ ‬يديرها،‭ ‬وجلب‭ ‬ملايين‭ ‬قوارير‭ ‬الخمور‭ ‬بالتهريب‭ ‬على‭ ‬السفن‭ ‬كذا‭ ‬وكذا‭ ‬بتاريخ‭ ‬كذا‭ ‬وكذا،‭ ‬وهكذا‭ ‬أبلغ‭ ‬السلطات‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يعرفه‭ ‬عن‭ ‬المافيا،‭ ‬مما‭ ‬ادى‭ ‬الى‭ ‬الزج‭ ‬بالعشرات‭ ‬من‭ ‬قادتها‭ ‬في‭ ‬السجون،‭ ‬وبعدها‭ ‬احس‭ ‬المحامي‭ ‬بالراحة‭ ‬والزهو،‭ ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬انه‭ ‬كان‭ ‬يدرك‭ ‬انه‭ ‬بشهادته‭ ‬ضد‭ ‬المافيا‭ ‬اصدر‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬حكما‭ ‬بالإعدام،‭ ‬لأن‭ ‬المافيا‭ ‬تغتال‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يعترض‭ ‬سبيلها،‭ ‬فإنه‭ ‬كان‭ ‬مرتاحا‭ ‬لأنه‭ ‬سيترك‭ ‬لولده‭ ‬ذكرى‭ ‬عطرة‭ ‬ومشرفة‭. ‬وبالفعل‭ ‬تم‭ ‬اغتياله‭ ‬بواسطة‭ ‬المافيا‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بوقت‭ ‬قصير‭.‬

والقاسم‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬الحكايتين‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬اوهير‭ ‬أشهر‭ ‬طيار‭ ‬حربي‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬امريكا‭ ‬العسكري‭ ‬هو‭ ‬ابن‭ ‬المحامي‭ ‬‮«‬إيزي‭ ‬ايدي‮»‬‭. ‬ومن‭ ‬تقاليدنا‭ ‬الثقافية‭ ‬ألا‭ ‬نذكر‭ ‬أمريكا‭ ‬والأمريكان‭ ‬بالخير،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬المحامي‭ ‬علمنا‭ ‬درسا‭: ‬الانتصار‭ ‬للقيم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬السامية‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬الكسب‭ ‬المالي،‭ ‬وأن‭ ‬أموت‭ ‬شريفا‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أعيش‭ ‬مذموما،‭ ‬وإذا‭ ‬أثبتُّ‭ ‬لولدي‭ ‬أنني‭ ‬رجل‭ ‬شريف‭ ‬لا‭ ‬أخون‭ ‬أمانة‭ ‬وأخلاق‭ ‬المهنة،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬المخاطر،‭ ‬فسينشأ‭ ‬أمينا‭ ‬شجاعا‭ ‬وعلى‭ ‬استعداد‭ ‬للتضحية‭ ‬بحياته‭ ‬لإنقاذ‭ ‬الآخرين‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬وطنه‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا