العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

قعود قاد إلى جحود

درجنا‭ ‬كشعوب‭ ‬تعيش‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭ ‬والخليج‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬اليد‭ ‬التي‭ ‬‮»‬تطعمنا‮«‬‭ ‬بالمنتجات‭ ‬والأفكار،‭ ‬فنحن‭ ‬وعلى‭ ‬الدوام‭ ‬نصب‭ ‬اللعنات‭ ‬على‭ ‬الغرب‭ ‬وأهله،‭ ‬بينما‭ ‬نتهافت‭ ‬على‭ ‬اقتناء‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يطرحه‭ ‬ذلك‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬السوق،‭ ‬ولا‭ ‬يحزنني‭ ‬فقط‭ ‬أننا‭ ‬أمة‭ ‬تستهلك‭ ‬منتجات‭ ‬ومخترعات‭ ‬الغرب،‭ ‬بل‭ ‬إننا‭ ‬لا‭ ‬نعترف‭ ‬بقعودنا‭ ‬وقصورنا،‭ ‬ونعزو‭ ‬كل‭ ‬بلاء‭ ‬يلحق‭ ‬بنا‭ ‬للغرب‭ ‬ومؤامراته‭ ‬علينا‭. ‬بذمتكم‭ ‬لماذا‭ ‬يتآمر‭ ‬علينا؟‭ ‬ما‭ ‬حيلتنا‭ ‬وماذا‭ ‬عندنا‭ ‬كي‭ ‬يطمع‭ ‬فيه‭ ‬الغرب‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬وانتفاء‭ ‬الهوس‭ ‬الأمريكي‭ ‬بإنشاء‭ ‬قواعد‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬ترحب‭ ‬بها؟‭ ‬وصحيح‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬سرق‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬خيراتنا،‭ ‬وسامنا‭ ‬سوء‭ ‬العذاب‭ ‬كثيرا،‭ ‬ولكن‭ ‬العيب‭ ‬فينا،‭ ‬فحتى‭ ‬في‭ ‬دنيا‭ ‬البشر‭ ‬لا‭ ‬يتعرض‭ ‬للمهانة‭ ‬والإذلال،‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬كرامته‭ ‬وقيمه‭.‬

عنّت‭ ‬لي‭ ‬تلك‭ ‬الأفكار‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬شاهدت‭ ‬فيلما‭ ‬وثائقيا‭ ‬عن‭ ‬تطور‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصالات‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬عصر‭ ‬الهاتف‭ ‬الجوال‭ ‬الغبي،‭ ‬ثم‭ ‬الذكي‭ ‬الذي‭ ‬يؤنسك‭ ‬ويلاعبك‭ ‬ويعفيك‭ ‬من‭ ‬تكبد‭ ‬نفقات‭ ‬مالية‭ ‬كبيرة‭ ‬نظير‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬سيقول‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الاختراع‭ ‬صار‭ ‬‮«‬عادي‮»‬‭ ‬ولا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مواويل‭ ‬تخوض‭ ‬في‭ ‬اختراعه‭ ‬واستخداماته‭ ‬وفوائده،‭ ‬ولكن‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬نشأ‭ ‬في‭ ‬جزيرة‭ ‬نيلية،‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬السودان،‭ ‬كان‭ ‬فيها‭ ‬نعي‭ ‬الموتى‭ ‬يتم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الصراخ،‭ ‬بأن‭ ‬يتم‭ ‬تكليف‭ ‬شخصين‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬بركوب‭ ‬حمير‭ ‬ذات‭ ‬بأس‭ ‬لينشروا‭ ‬خبر‭ ‬الوفاة،‭ ‬بعد‭ ‬تحديد‭ ‬نطاق‭ ‬اختصاص‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬جغرافيا،‭ ‬ومثل‭ ‬ذلك‭ ‬الشخص‭ ‬كان‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬كُبُدَر‮»‬،‭ ‬وكان‭ ‬مطالبا‭ ‬بالصياح‭ ‬بأن‭ ‬فلان‭ ‬الفلاني‭ ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬رحمة‭ ‬مولاه،‭ ‬وبعدها‭ ‬ينتقل‭ ‬الخبر‭ ‬شفاهة‭ ‬حتى‭ ‬يصل‭ ‬كل‭ ‬أهل‭ ‬البلد‭ ‬فيتجهون‭ ‬إلى‭ ‬منزل‭ ‬المتوفى‭ ‬أو‭ ‬المقابر،‭ ‬وأهل‭ ‬نفس‭ ‬الجزيرة‭ ‬انتقلوا‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬الكبدر‭ ‬أبو‭ ‬حمار‭ ‬إلى‭ ‬النعي‭ ‬بمسجات‭ ‬الموبايل،‭ ‬فيتم‭ ‬تكليف‭ ‬بضعة‭ ‬أشخاص‭ ‬بكتابة‭ ‬رسالة‭ ‬النعي‭ ‬وإرسالها‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬معين‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬مصحوبة‭ ‬برجاء‭ ‬‮«‬انشر‭/ ‬عمم‮»‬

عندما‭ ‬تحيق‭ ‬بنا‭ ‬مصيبة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬نلجأ‭ ‬إلى‭ ‬لطم‭ ‬الخدود،‭ ‬أو‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬‮«‬شماعة‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬كارثة‭ ‬غرق‭ ‬السفينة‭ ‬تايتانيك‭ ‬والتي‭ ‬راح‭ ‬ضحيتها‭ ‬المئات،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬الخواجات‭ ‬يدركون‭ ‬ضرورة‭ ‬تحديث‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬اللاسلكي،‭ ‬وكانت‭ ‬تايتانيك‭ ‬مزودة‭ ‬بأول‭ ‬جهاز‭ ‬لاسلكي‭ ‬من‭ ‬نوعه،‭ ‬ويعمل‭ ‬على‭ ‬تردد‭ ‬واحد‭ ‬فقط،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬الجهاز‭ ‬يبث‭ ‬رسالة،‭ ‬فإنه‭ ‬كان‭ ‬يعجز‭ ‬عن‭ ‬استقبال‭ ‬أي‭ ‬رسالة،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬الجهاز‭ ‬بعيد‭ ‬المدى،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬كانت‭ ‬السفن‭ ‬تتولى‭ ‬توصيل‭ ‬الرسائل‭ ‬لبعضها‭ ‬البعض‭ ‬حتى‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬السفينة‭ ‬المستهدفة،‭ ‬وتصادف‭ ‬أن‭ ‬سفينة‭ ‬أخرى‭ ‬كانت‭ ‬تمر‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬تايتانيك،‭ ‬ووردت‭ ‬منها‭ ‬رسائل‭ ‬كثيرة‭ ‬إلى‭ ‬فني‭ ‬اللاسلكي‭ ‬في‭ ‬تايتانيك،‭ ‬فطلب‭ ‬من‭ ‬السفينة‭ ‬أن‭ ‬ت«شط‭ ‬أب‮»‬‭ ‬اي‭ ‬تنكتم‭ ‬وتكف‭ ‬عن‭ ‬تزويده‭ ‬بالرسائل‭ ‬لكثرة‭ ‬أعبائه،‭ ‬فلبت‭ ‬السفينة‭ ‬الطلب‭ ‬وأغلق‭ ‬فني‭ ‬اللاسلكي‭ ‬فيها‭ ‬جهازه‭ ‬وانصرف،‭ ‬ولو‭ ‬بقيت‭ ‬تايتانيك‭ ‬على‭ ‬تواصل‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬السفينة‭ ‬لتلقت‭ ‬تحذيرا‭ ‬بأنها‭ ‬تتجه‭ ‬نحو‭ ‬جبل‭ ‬الجليد‭ ‬الذي‭ ‬جاب‭ ‬خبرها‭. ‬وبعد‭ ‬تلك‭ ‬الكارثة‭ ‬نشط‭ ‬الغربيون‭ ‬‮«‬الملاعين‮»‬‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬وسائل‭ ‬اتصال‭ ‬فعالة‭ ‬ومباشرة‭ ‬بين‭ ‬طرفين،‭ ‬وكثيرون‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬أن‭ ‬ممثلة‭ ‬هوليوودية‭ ‬فاتنة‭ (‬هيدي‭ ‬لامار‭) ‬وهي‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬نمساوي‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬مهدت‭ ‬الطريق‭ ‬لاختراع‭ ‬الهاتف‭ ‬الجوال،‭ ‬فبسبب‭ ‬رغبتها‭ ‬في‭ ‬مساعدة‭ ‬التواصل‭ ‬بين‭ ‬وحدات‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬جلست‭ ‬ترسم‭ ‬وتفكر‭ ‬وتجرب،‭ ‬واقتبست‭ ‬من‭ ‬آلة‭ ‬البيانو‭ ‬حيث‭ ‬تتقافز‭ ‬المفاتيح‭ ‬ولكن‭ ‬تصدر‭ ‬نغمات‭ ‬منسجمة،‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬نطاق‭ ‬الطيف‭ ‬الترددي‮»‬،‭ ‬والقفز‭ ‬على‭ ‬الترددات spectrum spread/frequency hopping

وظلت‭ ‬أفكار‭ ‬ونظريات‭ ‬الممثلة‭ ‬الحسناء‭ ‬تلهم‭ ‬المهندسين‭ ‬حتى‭ ‬طوروا‭ ‬أنظمة‭ ‬تواصل‭ ‬لاسلكية‭ ‬يصعب‭ ‬اختراقها‭ ‬وشيئا‭ ‬فشيئا‭ ‬طوروا‭ ‬الهاتف‭ ‬الجوال،‭ ‬وكانت‭ ‬شركة‭ ‬موتورولا‭ ‬الأمريكية‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬طوره‭ (‬1973‭)‬،‭ ‬وطرحته‭ ‬تجاريا‭ ‬عام‭ ‬1983،‭ ‬وسمعنا‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬التسعينيات‭. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬أمامي‭ ‬آيفون‭ ‬يهبل‭ ‬يئن‭ ‬كل‭ ‬بضع‭ ‬ثوان‭ ‬عندما‭ ‬يصلني‭ ‬إشعار‭ ‬من‭ ‬سي‭ ‬ان‭ ‬ان،‭ ‬أو‭ ‬رسالة‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬آخر،‭ ‬أو‭ ‬إخطار‭ ‬من‭ ‬صديق‭ ‬عبر‭ ‬واتساب،‭ ‬بأن‭ ‬صابون‭ ‬كذا‭ ‬فيه‭ ‬‮«‬لحم‭ ‬خنزير‮»‬‭ -‬يا‭ ‬للهول‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا