العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

ثم واكبت عصر التكنولوجيا

يحسب‭ ‬كثيرون‭ ‬ممن‭ ‬يكسبون‭ ‬الرزق‭ ‬بالعمل‭ ‬اليدوي‭ ‬أنهم‭ ‬محرومون‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬الكمبيوتر،‭ ‬لأنهم‭ ‬لا‭ ‬يدركون‭ ‬ان‭ ‬الهواتف‭ ‬التي‭ ‬ظلوا‭ ‬يحملونها‭ ‬ويتواصلون‭ ‬بها‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬هي‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬بعينه،‭ ‬وأذكر‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬أسباب‭ ‬طلاقي‭ ‬للصحافة‭ ‬الورقية‭ ‬كمهنة‭ ‬أكل‭ ‬عيش‭ ‬أساسية،‭ ‬كان‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬الكمبيوتر،‭ ‬وكنت‭ ‬قد‭ ‬سمعت‭ ‬عنه‭ ‬طراطيش‭ ‬كلام‭ ‬غير‭ ‬مطمئنة،‭ ‬منها‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬يفهمها‭ ‬وهي‭ ‬طايرة‮»‬‭ ‬ولديه‭ ‬لكل‭ ‬سؤال‭ ‬جواب،‭ ‬وأنه‭ ‬كالبعير‭ ‬‮«‬لا‭ ‬ينسى‮»‬‭. ‬وبكل‭ ‬صدق‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬سمعته‭ ‬عن‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتسنى‭ ‬لي‭ ‬رؤيته‭ ‬بالعين‭ ‬المجردة،‭ ‬جعلني‭ ‬أخاف‭ ‬منه‭ ‬لأنه‭ ‬قد‭ ‬يتطفل‭ ‬على‭ ‬حياتي‭ ‬الخاصة،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬زميل‭ ‬عمل‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬بعد‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬هجري‭ ‬الصحافة‭ ‬وانتقالي‭ ‬الى‭ ‬شركة‭ ‬الاتصالات‭ ‬القطرية‭ ‬مسؤولا‭ ‬عن‭ ‬الترجمة‭ ‬والعلاقات‭ ‬العامة‭: ‬لا‭ ‬تخليهم‭ ‬يعطونك‭ ‬كمبيوتر،‭ ‬لأنه‭ ‬سيسجل‭ ‬كل‭ ‬تحركاتك‭ ‬ويكشفها‭ ‬للمدير‭ ‬العام،‭ ‬وأنا‭ ‬كعربي‭ ‬‭ ‬إفريقي‭ ‬أخاف‭ ‬من‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬مثل‭ ‬الخوف‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يلازمني‭ ‬من‭ ‬مدير‭ ‬المدرسة،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الطالب‭ ‬على‭ ‬أيامنا‭ ‬على‭ ‬كراسي‭ ‬الدراسة‭ ‬يقف‭ ‬أمامه‭ ‬إلا‭ ‬لمخالفة‭ ‬عقوبتها‭ ‬فادحة‭.‬

ولكن‭ ‬بي‭ ‬حنين‭ ‬شديد‭ ‬إلى‭ ‬صحافة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الكمبيوتر،‭ ‬مثل‭ ‬حنيني‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الطباشير‭ (‬التدريس‭)‬،‭ ‬لأنني‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬مش‭ ‬‮«‬وِش‭ ‬نعمة‮»‬،‭ ‬يستمتع‭ ‬بإنجاز‭ ‬الأمور‭ ‬بالمكابدة‭ ‬والجهد‭ ‬الجهيد،‭ ‬وبالمصري‭ ‬لا‭ ‬نحب‭ ‬أن‭ ‬‮«‬نأكلها‭ ‬والعة‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬نحب‭ ‬أن‭ ‬نولعها‭ ‬ونطبخها‭ ‬بأنفسنا‭ ‬على‭ ‬نار‭ ‬هادئة،‭ ‬ولكنني‭ ‬اعترف‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬بأن‭ ‬لحاقي‭ ‬بعصر‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬قد‭ ‬جدد‭ ‬شبابي‭. ‬كنا‭ ‬فين‭ ‬وبقينا‭ ‬فين،‭ ‬فسبحانه‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬جعفر‭ ‬الممنوع‭ ‬من‭ ‬الصرف‭ ‬في‭ ‬اي‭ ‬بورصة‭ ‬عالمية،‭ ‬يجلس‭ ‬الآن‭ ‬يكتب‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬على‭ ‬الكمبيوتر،‭ ‬بل‭ ‬ويتلذذ‭ ‬عندما‭ ‬يكتشف‭ ‬أنه‭ ‬يفهم‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الامور‭ ‬أفضل‭ ‬مما‭ ‬يفهم‭ ‬الكمبيوتر،‭ ‬ونصيحة‭ ‬لكثيرين‭ ‬يعتقدون‭ ‬أنهم‭ ‬أخطأوا‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬كلمة‭ ‬أو‭ ‬جملة‭ ‬ما،‭ ‬لأن‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬وضع‭ ‬تحتها‭ ‬خطا‭ ‬أحمر‭: ‬الكمبيوتر‭ ‬ليس‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬بل‭ ‬وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بقواعد‭ ‬الإملاء‭ ‬والنحو‭ ‬العربية،‭ ‬قد‭ ‬‮«‬يوديك‭ ‬في‭ ‬داهية‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬الانجليزية‭ ‬فإنه‭ ‬وإلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعترف‭ ‬بالجملة‭ ‬التي‭ ‬فيها‭ ‬الفاعل‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬المجهول‭ ‬passive‭ ‬voice‭.‬

وكتبت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عن‭ ‬احتفائنا‭ ‬كصحفيين‭ ‬بالفاكس،‭ ‬بدرجة‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإماراتية،‭ ‬كنا‭ ‬نحسد‭ ‬محررا‭ ‬مكلفا‭ ‬فقط‭ ‬بالجلوس‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬الفاكس‭ ‬ليتسلم‭ ‬رسائل‭ ‬المراسلين‭ ‬ويزودهم‭ ‬بالتوجيهات‭ ‬الخطية‭ ‬عبر‭ ‬الفاكس‭: ‬تابعوا‭ ‬تطورات‭ ‬الحادث‭ ‬كذا‭ ‬وكذا‭. ‬نريد‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬التفاصيل‭ ‬حول‭ ‬الموضوع‭.. ‬حاول‭ ‬ان‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬تصريح‭ ‬من‭ ‬مصدر‭ ‬‮«‬أقوى‮»‬،‭ ‬ومنشأ‭ ‬الحسد‭ ‬هو‭ ‬أننا‭ ‬كنا‭ ‬نعتقد‭ ‬انه‭ ‬من‭ ‬مقتضيات‭ ‬الانصاف‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬دوريا‭ ‬بحيث‭ ‬نتناوب‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬الفاكس،‭ ‬ولك‭ ‬ان‭ ‬تتخيل‭ ‬مقدار‭ ‬خجلي‭ ‬عندما‭ ‬اكتشفت‭ ‬ان‭ ‬ارسال‭ ‬واستقبال‭ ‬نصوص‭ ‬مكتوبة‭ ‬بذلك‭ ‬الجهاز‭ ‬لا‭ ‬يتطلب‭ ‬اي‭ ‬مهارات،‭ ‬بدرجة‭ ‬انني‭ ‬ومن‭ ‬باب‭ ‬رد‭ ‬الاعتبار‭ ‬لنفسي‭ ‬اشتريت‭ ‬جهاز‭ ‬فاكس‭ ‬وقمت‭ ‬بتركيبه‭ ‬في‭ ‬بيتي‭ ‬ولا‭ ‬أذكر‭ ‬أنني‭ ‬وعلى‭ ‬مدى‭ ‬سنوات،‭ ‬وحتى‭ ‬ألقيت‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬برميل‭ ‬النفايات‭ ‬ارسلت‭ ‬به‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬نصين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثة‭ (‬وكانت‭ ‬جميعها‭ ‬بدون‭ ‬مناسبة‭ ‬أو‭ ‬جدوى‭ ‬أو‭ ‬داعٍ،‭ ‬ولكن‭ ‬فقط‭ ‬للاستمتاع‭ ‬بأنني‭ ‬عندي‭ ‬فاكس‭)‬

ومن‭ ‬حقي‭ ‬ان‭ ‬افتخر‭ ‬بأنني‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬خلق‭ ‬الله‭ ‬استخداما‭ ‬للإنترنت،‭ ‬وأعرف‭ ‬كل‭ ‬المواقع‭ ‬التي‭ ‬أجد‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬اشتهي‭ ‬من‭ ‬أخبار‭ ‬وحكايات،‭ ‬وصور‭ ‬ومقاطع‭ ‬فيديو،‭ ‬بل‭ ‬تعلمت‭ ‬قرصنة‭ ‬الأفلام‭ ‬وأشاهد‭ ‬الكثير‭ ‬منها‭ ‬ببلاش،‭ ‬ثم‭ ‬واكبت‭ ‬العصر‭ ‬وصارت‭ ‬لي‭ ‬4‭ ‬صفحات‭ ‬فيسبوك،‭ ‬أنشر‭ ‬في‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭ ‬مقالاتي‭ ‬القديمة‭ ‬وفي‭ ‬الأخريات‭ ‬مواضيع‭ ‬قابلة‭ ‬للأخذ‭ ‬والرد،‭ ‬وتحت‭ ‬ضغوط‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الأصدقاء‭ ‬أنشأت‭ ‬حسابا‭ ‬في‭ ‬تويتر‭ (‬الذي‭ ‬صار‭ ‬إكس‭). ‬وجاءت‭ ‬الضغوط‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬شخصا‭ ‬انتحل‭ ‬شخصيتي‭ ‬وسيرتي‭ ‬وصورتي‭ ‬في‭ ‬تويتر،‭ ‬وبعد‭ ‬فتح‭ ‬الحساب‭ ‬اكتشفت‭ ‬أنني‭ ‬مطالب‭ ‬بالتغريد،‭ ‬ولأنني‭ ‬من‭ ‬عائلة‭ ‬محافظة‭ ‬تعتبر‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬يغرد‭ ‬‮«‬مش‭ ‬راجل‮»‬،‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬قط‭ ‬أن‭ ‬تعاملت‭ ‬بتويتر‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬تويتر‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا