العدد : ١٧٠٣٨ - الجمعة ١٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٣٨ - الجمعة ١٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

اطلالة

هالة كمال الدين

halakamal99@hotmail.com

الرحمة في عصر التوحش

مؤخرا‭ ‬أحالت‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬ولية‭ ‬أمر‭ ‬إلي‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬بعد‭ ‬رصد‭ ‬حروق‭ ‬شديدة‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬طالبة‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الخاصة‭ ‬مسجلة‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬التوحد‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تبين‭ ‬تعرضها‭ ‬للحرق‭ ‬باستخدام‭ ‬أداة‭ ‬لتصفيف‭ ‬الشعر،‭ ‬مؤكدة‭ ‬حرصها‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬الأطفال‭ ‬والإبلاغ‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬اشتباه‭ ‬في‭ ‬تعنيفهم‭ ‬أو‭ ‬الاعتداء‭ ‬عليهم‭ ‬حفاظا‭ ‬على‭ ‬سلامتهم‭ ‬النفسية‭ ‬والجسدية‭. ‬

بصراحة‭ ‬تعجز‭ ‬الكلمات‭ ‬عن‭ ‬التعليق‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الحادث‭ ‬المؤسف‭ ‬الذي‭ ‬اقشعرت‭ ‬له‭ ‬أبدان‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬سمع‭ ‬عنه،‭ ‬ولعل‭ ‬المصيبة‭ ‬الكبرى‭ ‬أن‭ ‬مرتكب‭ ‬تلك‭ ‬الجريمة‭ ‬الشنيعة‭ ‬هي‭ ‬ولية‭ ‬أمر‭ ‬أو‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هكذا‭ ‬والتي‭ ‬نزعت‭ ‬من‭ ‬داخلها‭ ‬الرحمة‭ ‬بمخلوق‭ ‬ضعيف‭ ‬مبتلى‭ ‬منكسر‭ ‬لا‭ ‬حول‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬قوة‭ ‬إلا‭ ‬بالله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭.‬

بالطبع‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬ولن‭ ‬تكون‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ولكنها‭ ‬تفتح‭ ‬بابا‭ ‬للتطرق‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬إلى‭ ‬غياب‭ ‬‮«‬الرحمة‮»‬‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬الأغبر‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬اليوم،‭ ‬والتي‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬الأخلاق‭ ‬السامية‭ ‬في‭ ‬ديننا‭ ‬الحنيف‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬أساس‭ ‬الحياة‭ ‬بحسب‭ ‬تعاليمه‭.‬

الرحمة‭ ‬وهي‭ ‬تكوين‭ ‬فطري‭ ‬للإنسان‭ ‬تبدو‭ ‬غريبة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الحياة‭ ‬المادية‭ ‬الحديثة،‭ ‬وافتقادها‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬عدوى‭ ‬تنتقل‭ ‬بسرعة‭ ‬البرق‭ ‬بين‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬فأصبح‭ ‬الرحماء‭ ‬قليلين،‭ ‬وبتنا‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬لا‭ ‬سمات‭ ‬له‭ ‬يغلب‭ ‬عليه‭ ‬التوحش‭ ‬وعلى‭ ‬جميع‭ ‬الصعد،‭ ‬ويحكمنا‭ ‬فيه‭ ‬قانون‭ ‬الغاب‭ ‬بصورته‭ ‬البدائية،‭ ‬فهناك‭ ‬توحش‭ ‬دول‭ ‬ضد‭ ‬دول،‭ ‬وتوحش‭ ‬الغرب‭ ‬ضد‭ ‬الشرق،‭ ‬وتوحش‭ ‬الأغنياء‭ ‬ضد‭ ‬الفقراء،‭ ‬وتوحش‭ ‬الأقوياء‭ ‬ضد‭ ‬الضعفاء،‭ ‬وتوحش‭ ‬الكبير‭ ‬ضد‭ ‬الصغير،‭ ‬وهلم‭ ‬جرا،‭ ‬حتى‭ ‬سيطرت‭ ‬فلسفة‭ ‬التوحش‭ ‬للسلوك‭ ‬البشري‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬وأي‭ ‬مكان‭. ‬

اليوم‭ ‬تحولت‭ ‬شبكة‭ ‬العنكبوت‭ ‬الافتراضية‭ ‬إلى‭ ‬مرتع‭ ‬لنشر‭ ‬وتأجيج‭ ‬وتكريس‭ ‬الفرقة‭ ‬والعداء‭ ‬والغش‭ ‬والخيانة‭ ‬والغدر‭ ‬والتشويه‭ ‬والتلفيق‭ ‬والتنمر‭ ‬والسخط‭ ‬والخلافات‭ ‬والصراعات‭ ‬وتصفية‭ ‬الحسابات،‭ ‬وكلها‭ ‬أشياء‭ ‬تندرج‭ ‬تحت‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬غياب‭ ‬الرحمة‮»‬‭ ‬بين‭ ‬البشر،‭ ‬وكأننا‭ ‬أصبحنا‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬آخر‭ ‬جديد‭ ‬مرير‭ ‬مخيف‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نتخيله‭.  ‬

لم‭ ‬يبالغ‭ ‬الكاتب‭ ‬الأمريكي‭ ‬مارك‭ ‬توين‭ ‬حين‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬الرحمة‭ ‬هي‭ ‬اللغة‭ ‬التي‭ ‬يفهمها‭ ‬الطفل‭ ‬ويسمعها‭ ‬الأصم‭ ‬ويقرأها‭ ‬الأعمى،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنها‭ ‬لغة‭ ‬عالمية‭ ‬يدركها‭ ‬كل‭ ‬بني‭ ‬البشر‭ ‬تتفوق‭ ‬في‭ ‬جمالها‭ ‬وقوتها‭ ‬مشاعر‭ ‬الحب،‭ ‬لأنها‭ ‬تجمع‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬العطف‭ ‬والتسامح‭ ‬والود،‭ ‬لذلك‭ ‬قد‭ ‬نكون‭ ‬جميعا‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬نحب،‭ ‬ولكن‭ ‬القليل‭ ‬منا‭ ‬يملك‭ ‬الرحمة‭ ‬في‭ ‬قلبه‭.‬

الرحمة‭ ‬هي‭ ‬أصل‭ ‬الإنسان،‭ ‬وسبحان‭ ‬من‭ ‬جعلها‭ ‬أساس‭ ‬الحياة‭ ‬واختصها‭ ‬ضمن‭ ‬أسمائه‭ ‬الحسنى،‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬تباع‭ ‬ولا‭ ‬تشترى‭ ‬ولا‭ ‬تفرضها‭ ‬القوانين،‭ ‬فلنعمر‭ ‬قلوبنا‭ ‬بها‭ ‬لنعود‭ ‬إلى‭ ‬إنسانيتنا،‭ ‬فالراحمون‭ ‬يرحمهم‭ ‬الرحمن‭. ‬

ويبقى‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه‭ ‬هو‭:‬

ما‭ ‬الذي‭ ‬يرجع‭ ‬الرحمة‭ ‬ثانية؟‭!!‬

إقرأ أيضا لـ"هالة كمال الدين"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا