اطلالة
هالة كمال الدين
halakamal99@hotmail.com
الرحمة في عصر التوحش
مؤخرا أحالت وزارة التربية والتعليم ولية أمر إلي النيابة العامة بعد رصد حروق شديدة على يد طالبة من ذوي الاحتياجات الخاصة مسجلة في صفوف التوحد بعد أن تبين تعرضها للحرق باستخدام أداة لتصفيف الشعر، مؤكدة حرصها على سلامة الأطفال والإبلاغ عن أي اشتباه في تعنيفهم أو الاعتداء عليهم حفاظا على سلامتهم النفسية والجسدية.
بصراحة تعجز الكلمات عن التعليق على هذا الحادث المؤسف الذي اقشعرت له أبدان كل من سمع عنه، ولعل المصيبة الكبرى أن مرتكب تلك الجريمة الشنيعة هي ولية أمر أو المفترض أن تكون هكذا والتي نزعت من داخلها الرحمة بمخلوق ضعيف مبتلى منكسر لا حول له ولا قوة إلا بالله سبحانه وتعالى.
بالطبع هذه القصة لم تكن الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة، ولكنها تفتح بابا للتطرق من جديد إلى غياب «الرحمة» في هذا العصر الأغبر الذي نعيشه اليوم، والتي تعد من الأخلاق السامية في ديننا الحنيف بل هي أساس الحياة بحسب تعاليمه.
الرحمة وهي تكوين فطري للإنسان تبدو غريبة في ظل الحياة المادية الحديثة، وافتقادها تحول إلى عدوى تنتقل بسرعة البرق بين كثير من البشر، فأصبح الرحماء قليلين، وبتنا نعيش في عصر لا سمات له يغلب عليه التوحش وعلى جميع الصعد، ويحكمنا فيه قانون الغاب بصورته البدائية، فهناك توحش دول ضد دول، وتوحش الغرب ضد الشرق، وتوحش الأغنياء ضد الفقراء، وتوحش الأقوياء ضد الضعفاء، وتوحش الكبير ضد الصغير، وهلم جرا، حتى سيطرت فلسفة التوحش للسلوك البشري في أي شيء وأي مكان.
اليوم تحولت شبكة العنكبوت الافتراضية إلى مرتع لنشر وتأجيج وتكريس الفرقة والعداء والغش والخيانة والغدر والتشويه والتلفيق والتنمر والسخط والخلافات والصراعات وتصفية الحسابات، وكلها أشياء تندرج تحت مفهوم «غياب الرحمة» بين البشر، وكأننا أصبحنا نعيش في عالم آخر جديد مرير مخيف لم نكن نتخيله.
لم يبالغ الكاتب الأمريكي مارك توين حين قال إن الرحمة هي اللغة التي يفهمها الطفل ويسمعها الأصم ويقرأها الأعمى، بمعنى أنها لغة عالمية يدركها كل بني البشر تتفوق في جمالها وقوتها مشاعر الحب، لأنها تجمع بينه وبين العطف والتسامح والود، لذلك قد نكون جميعا قادرين على أن نحب، ولكن القليل منا يملك الرحمة في قلبه.
الرحمة هي أصل الإنسان، وسبحان من جعلها أساس الحياة واختصها ضمن أسمائه الحسنى، وهي لا تباع ولا تشترى ولا تفرضها القوانين، فلنعمر قلوبنا بها لنعود إلى إنسانيتنا، فالراحمون يرحمهم الرحمن.
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه هو:
ما الذي يرجع الرحمة ثانية؟!!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك