العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن سوء الظن والجِل

تعترضنا‭ ‬خلال‭ ‬مسيرة‭ ‬الحياة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العقبات‭ ‬وبعضها‭ ‬من‭ ‬صنعنا‭ ‬أي‭ ‬ناجمة‭ ‬عن‭ ‬أخطائنا‭ ‬وسوء‭ ‬تقديرنا،‭ ‬ومن‭ ‬أكثر‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬أسِفت‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬أنني‭ ‬ظلمت‭ ‬آخرين‭ ‬بإطلاق‭ ‬أحكام‭ ‬حولهم‭ ‬بأنهم‭ ‬سيئون‭ ‬ثم‭ ‬اتضح‭ ‬لي‭ ‬أنني‭ ‬أسأت‭ ‬بهم‭ ‬الظن،‭ ‬وبهذا‭ ‬ظلمت‭ ‬نفسي‭ ‬أيضا،‭ ‬وعموما‭ ‬فإننا‭ ‬جميعا‭ ‬نأتي‭ ‬أحيانا‭ ‬أحكامنا‭ ‬فطيرة‭ ‬أي‭ ‬لم‭ ‬تختمر‭ ‬وتستو‭ ‬على‭ ‬نار‭ ‬هادئة‭ ‬من‭ ‬التأني‭ ‬وحسن‭/ ‬سوء‭ ‬الظن،‭ ‬وعند‭ ‬إدراكي‭ ‬لحقيقة‭ ‬أنني‭ ‬لست‭ ‬الحكم‭ ‬التُرضى‭ ‬حكومته‭ (‬التُرضى‭ ‬هذه‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬شعر‭ ‬للفرزدق،‭ ‬وصارت‭ ‬شاهدا‭ ‬على‭ ‬جواز‭ ‬إدخال‭ ‬الالف‭ ‬واللام‭ ‬على‭ ‬الفعل‭)‬،‭ ‬صرت‭ ‬لا‭ ‬أحكم‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬قياسا‭ ‬على‭ ‬طريقتهم‭ ‬في‭ ‬اللبس‭ ‬او‭ ‬الكلام،‭ ‬او‭ ‬عندما‭ ‬حسبت‭ ‬آخرين‭ ‬ملائكة‭ ‬أطهارا،‭ ‬استناداً‭ ‬إلى‭ ‬مظهرهم‭ ‬الخارجي،‭ ‬واتضح‭ ‬لاحقا‭ ‬أنهم‭ ‬مخاتلون‭ ‬ومنافقون،‭ ‬وقد‭ ‬قلت‭ ‬مرارا‭ ‬وسأظل‭ ‬أقول‭ ‬إنني‭ ‬لا‭ ‬أعتبر‭ ‬الشاب‭ ‬الذي‭ ‬يكوي‭ ‬شعره‭ ‬و‮«‬يسبسبه‮»‬‭ ‬جانحا‭ ‬أو‭ ‬منحرفا‭. ‬ولا‭ ‬ذاك‭ ‬الذي‭ ‬يقص‭ ‬شعره‭ ‬بطريقة‭ ‬عجيبة‭ ‬وغير‭ ‬مألوفة‭ ‬‮«‬شاذا‮»‬‭. ‬أقول‭ ‬هذا‭ ‬رغم‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أسمح‭ ‬لأيّ‭ ‬من‭ ‬ولديّ‭ ‬الاثنين‭ ‬بكيّ‭ ‬الشعر‭ ‬او‭ ‬قصِّه‭ ‬جريا‭ ‬وراء‭ ‬موضات‭ ‬وصرعات‭ ‬تتوالى‭ ‬علينا‭ ‬وكأننا‭ ‬‮«‬ناقصين‭ ‬بلاوي‮»‬‭.‬

وأعتقد‭ ‬انني‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬حميد‭ ‬من‭ ‬ازدواج‭ ‬الشخصية،‭ ‬ذلك‭ ‬أنني‭ ‬‮«‬تقليدي‮»‬‭ ‬في‭ ‬نواح‭ ‬كثيرة،‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬مستجدات‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬الراهن‭ ‬الذي‭ ‬أعيش‭ ‬على‭ ‬هامشه‭ ‬كمتفرج،‭ ‬لا‭ ‬أرفضها‭ ‬لغيري‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬رفضتها‭ ‬لنفسي‭: ‬مثلا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أضع‭ ‬شيئا‭ ‬على‭ ‬شعر‭ ‬رأسي،‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬أستخدم‭ ‬الشامبو‭ ‬في‭ ‬غسله‭ (‬وعلى‭ ‬مسؤوليتي‭ ‬فالصابون‭ ‬الخالي‭ ‬من‭ ‬الصودا‭ ‬الكاوية‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬أكثر‭ ‬أمانا‭ ‬من‭ ‬معظم‭ ‬أنواع‭ ‬الشامبو‭). ‬وأود‭ ‬اليوم‭ ‬ان‭ ‬أخاطب‭ ‬جيلا‭ ‬كاملا‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الذي‭ ‬يستخدم‭ ‬المادة‭ ‬التي‭ ‬تسمى‭ ‬جل‭ ‬‮«‬gel‮»‬‭ ‬لإعطاء‭ ‬الشعر‭ ‬لمعانا‭ ‬وللحفاظ‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬التسريحة،‭ ‬فبعض‭ ‬أنواع‭ ‬الجل‭ ‬هذا‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬نمو‭ ‬النهود‭ ‬عند‭ ‬الرجال‭. ‬نعم‭ ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬يستخدمها‭ ‬طفلا‭ ‬في‭ ‬الخامسة‭ ‬فإن‭ ‬نهداه‭ ‬قد‭ ‬يبدآن‭ ‬في‭ ‬النمو‭ ‬بمعدلات‭ ‬تضاهي‭ ‬المعدلات‭ ‬الأنثوية‭. ‬قرأت‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬نيو‭ ‬إنجلند‭ ‬الطبية‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬بحث‭ ‬أجرته‭ ‬كلية‭ ‬الطب‭ ‬بجامعة‭ ‬كولورادو‭ ‬الأمريكية‭ ‬والمعهد‭ ‬الوطني‭ ‬الامريكي‭ ‬للصحة‭. ‬فقد‭ ‬اكتشف‭ ‬الباحثون‭ ‬ان‭ ‬الجل‭ ‬الذي‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬الخزامى‭ ‬وزيت‭ ‬شجرة‭ ‬الشاي‭ ‬يسبب‭ ‬اضطرابات‭ ‬هرمونية‭ ‬تقود‭ ‬الى‭ ‬الحالة‭ ‬التي‭ ‬يسميها‭ ‬الأطباء‭ ‬غاينيكوماستيا،‭ ‬وهي‭ ‬بروز‭ ‬صدر‭ ‬الرجل‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬غير‭ ‬مألوف،‭ ‬ويرجح‭ ‬ان‭ ‬الخزامى‭ ‬وزيت‭ ‬شجرة‭ ‬الشاي‭ ‬يسببان‭ ‬خللا‭ ‬في‭ ‬إشارات‭ ‬هرمونات‭ ‬الأوستروجين‭ ‬والأندروجين‭. ‬دعنا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬العلمي‭ ‬‮«‬الكبير‮»‬‭ ‬واسأل‭ ‬نفسك‭: ‬هل‭ ‬لمعة‭ ‬شعرك‭ ‬تستأهل‭ ‬ان‭ ‬‮«‬ترحل‮»‬‭ ‬عن‭ ‬عالم‭ ‬الرجولة‭ ‬لتكتسب‭ ‬ملامح‭ ‬أنثوية؟‭ ‬أعرف‭ ‬ان‭ ‬كل‭ ‬قارئ‭ ‬يستخدم‭ ‬الجل‭ ‬سيقرأ‭ ‬الكلام‭ ‬المكتوب‭ ‬على‭ ‬الأنبوب‭ ‬او‭ ‬القارورة‭ ‬ليتأكد‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يحوي‭ ‬ذينك‭ ‬العنصرين‭ (‬قد‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬بعضهم‭ ‬ان‭ ‬الخزامى‭ ‬بالإنجليزية‭ ‬هي‭ ‬اللافندر‭ (‬lavender‭)‬،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬يضمن‭ ‬لك‭ ‬انه‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬الجل‭ ‬الذي‭ ‬تستخدمه‭ ‬لا‭ ‬يحوي‭ ‬الخزامى‭ ‬فإنه‭ ‬قد‭ ‬يسبب‭ ‬لك‭ ‬الندامة‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬يكتشف‭ ‬باحثون‭ ‬آخرون‭ ‬أن‭ ‬عناصر‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬الجل‭ ‬تسبب‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أسوأ‭ ‬من‭ ‬الخنوثة‭! ‬هناك‭ ‬حكمة‭ ‬جعفرية‭ ‬أهديها‭ ‬للرجال‭ ‬والنساء‭: ‬إساءة‭ ‬الظن‭ ‬بمنتجات‭ ‬التجميل‭ ‬الكيميائية‭ ‬تجنبك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المتاعب‭ ‬الصحية‭. ‬فببساطة،‭ ‬فإن‭ ‬تعريض‭ ‬الجسم‭ ‬لأي‭ ‬عنصر‭ ‬غريب‭ ‬عن‭ ‬تكوينه‭ ‬الطبيعي‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬باهظ‭ ‬الثمن‭. ‬وآخر‭ ‬صرعات‭ ‬التجميل‭ ‬تبييض‭ ‬الأسنان‭ ‬في‭ ‬صالونات‭ ‬الكوافير‭ ‬بمواد‭ ‬كيمائية‭ ‬bleach‭ ‬وتكتسب‭ ‬خلال‭ ‬دقائق‭ ‬صفين‭ ‬من‭ ‬اللؤلؤ‭. ‬وبعد‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭ ‬يتحول‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬الى‭ ‬نحاس‭ ‬صدئ‭! ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تبييض‭ ‬الأسنان‭ ‬فالجأ‭ ‬الى‭ ‬طبيب‭ ‬أسنان‭ ‬فنان‭. ‬وأفضل‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬تقتدي‭ ‬بأبي‭ ‬الجعافر‭ ‬الذي‭ ‬إذا‭ ‬وقف‭ ‬أمام‭ ‬المرآة‭ ‬صاح‭: ‬ما‭ ‬شاء‭ ‬الله‭. ‬عيني‭ ‬باردة‭. ‬لولا‭ ‬أنك‭ ‬حلو‭ ‬وتجنن‭ ‬لما‭ ‬وجدت‭ ‬واحدة‭ ‬تقبل‭ ‬بك‭ ‬زوجا‭. ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬أحلى‭ ‬من‭ ‬شعبولا‭ ‬والقذافي‭. ‬أعطاني‭ ‬الله‭ ‬عينين‭ ‬صينيتين‭ ‬ولكنهما‭ ‬تؤديان‭ ‬الغرض‭ ‬وأنفا‭ ‬إفريقيا‭ ‬عرضة‭ ‬بوصتان‭ ‬ويستطيع‭ ‬شفط‭ ‬الأوكسجين‭ ‬من‭ ‬كوكب‭ ‬زحل‭.. ‬قد‭ ‬يراني‭ ‬الآخرون‭ ‬شينا‭.. ‬جاتهم‭ ‬نيلة‭.. ‬أنا‭ ‬راض‭ ‬بما‭ ‬قسم‭ ‬الله‭ ‬لي‭ ‬من‭ ‬تقاسيم‭ ‬وملامح،‭ ‬ولا‭ ‬أقوم‭ ‬بتعديل‭ ‬شيء‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬يقع‭ ‬تحت‭ ‬اختصاص‭ ‬الحلاق‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا