العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

التلفزيون والثقافة والهيافة

بظهور‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية،‭ ‬انصرف‭ ‬كثيرون‭ ‬عن‭ ‬وسائل‭ ‬التسلية‭ ‬الأخرى،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬القراءة،‭ ‬ثم‭ ‬دارت‭ ‬الدوائر‭ ‬على‭ ‬التلفزيون‭ ‬بظهور‭ ‬الانترنت،‭ ‬ثم‭ ‬جاءت‭ ‬الهواتف‭ ‬الذكية‭ ‬التي‭ ‬فيها‭ ‬خصائص‭ ‬التلفزيون‭ ‬والإذاعة،‭ ‬وتحوي‭ ‬تطبيقات‭ ‬عديدة‭ ‬مشوقة،‭ ‬تصرف‭ ‬الناس‭ ‬أحيانا‭ ‬حتى‭ ‬عن‭ ‬الأكل‭ ‬والشرب‭. ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬القراءة‭ ‬تسلية؟‭ ‬نعم،‭ ‬فإذا‭ ‬لم‭ ‬تجدها‭ ‬مسلية‭ ‬وممتعة‭ ‬ومشوقة‭ ‬فلك‭ ‬العذر‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تنصرف‭ ‬عنها‭. ‬وكتب‭ ‬المناهج‭ ‬المدرسية‭ ‬للنجاح‭ ‬في‭ ‬الامتحان‭ ‬تفتقر‭ ‬الى‭ ‬عنصري‭ ‬التسلية‭ ‬والامتاع،‭ ‬ولهذا‭ ‬يتبخر‭ ‬معظم‭ ‬ما‭ ‬درسناه‭ ‬كطلاب‭ ‬بعد‭ ‬جرس‭ ‬نهاية‭ ‬الامتحانات‭ ‬بأسبوعين‭ ‬او‭ ‬ثلاثة‭. ‬

ما‭ ‬أعنيه‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬فيما‭ ‬تقرأه‭ ‬عنصر‭ ‬الإمتاع،‭ ‬فإنك‭ ‬لن‭ ‬تهضمه‭ ‬او‭ ‬تواصل‭ ‬قراءته،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يجد‭ ‬متعة‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬نظرية‭ ‬آينشتاين،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬قرأ‭ ‬كتب‭ ‬الشيخ‭ ‬ابن‭ ‬تيمية‭ ‬كلها‭ ‬سبع‭ ‬مرات‭ ‬ويجد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬متعة‭ ‬جديدة،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يستمتع‭ ‬بقراءة‭ ‬كتب‭ ‬الرياضيات‭ (‬الله‭ ‬يشفيهم‭ ‬ويعافيهم‭).. ‬وما‭ ‬يميز‭ ‬المثقف‭ ‬عن‭ ‬‮«‬المتعلم‮»‬‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬المثقف‭ ‬يطلع‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬صنوف‭ ‬المعرفة‭ ‬وتصبح‭ ‬القراءة‭ ‬عنده‭ ‬وسيلة‭ ‬التسلية‭ ‬الأساسية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬وسيلة‭ ‬كسب‭ ‬المعارف‭ ‬الأولى،‭ ‬بينما‭ ‬المتعلم‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬شخصا‭ ‬كل‭ ‬حصيلته‭ ‬من‭ ‬العلم‭ ‬هي‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬ليس‭ ‬معنيًّا‭ ‬بعلم‭ ‬او‭ ‬معرفة‭ ‬خارج‭ ‬نطاق‭ ‬تخصصه‭ ‬الأكاديمي‭ ‬والمهني‭. ‬

ولكن‭ ‬الفضائيات‭ ‬لهت‭ ‬جيلا‭ ‬كاملا‭ ‬عن‭ ‬القراءة،‭ ‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬الإنترنت‭ ‬فتدنت‭ ‬شعبية‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقي،‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬شخصا‭ ‬مثليا‭ ‬يتعرض‭ ‬لأسئلة‭ ‬من‭ ‬نوع‭: ‬كيف‭ ‬تطيق‭ ‬حمل‭ ‬وقراءة‭ ‬كتاب‭ ‬من‭ ‬400‭ ‬صفحة؟‭ ‬ومن‭ ‬يسأل‭ ‬هم‭ ‬عيالي‭. ‬لاحظوا‭ ‬أنني‭ ‬استخدمت‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬لهت‮»‬‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬‮«‬اللهو‮»‬‭ ‬عند‭ ‬التحدث‭ ‬عن‭ ‬تأثير‭ ‬الفضائيات‭ ‬على‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬المعاصر،‭ ‬واللهو‭ ‬ليس‭ ‬كله‭ ‬سيئا‭ ‬فالنفس‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬اللهو‭ ‬والترويح،‭ ‬ومن‭ ‬معاني‭ ‬لهى‭ ‬يلهو‭ ‬‮«‬صرف‭ ‬النفس‭ ‬عن‭ ‬الشيء‮»‬،‭ ‬واستخدمت‭ ‬الكلمة‭ ‬هنا‭ ‬للقول‭ ‬بان‭ ‬التلفزيون‭ ‬صرف‭ ‬الكثيرين‭ ‬عن‭ ‬القراءة،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬فلست‭ ‬من‭ ‬‮«‬معارضي‮»‬‭ ‬التلفزيون،‭ ‬بل‭ ‬اعتقد‭ ‬انه‭ ‬أهم‭ ‬أداة‭ ‬تنوير‭ ‬منذ‭ ‬اختراع‭ ‬الطباعة‭. ‬التلفزيون‭ ‬علم‭ ‬الناس‭ ‬أن‭ ‬لهم‭ ‬حقوقا،‭ ‬وله‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬توصيل‭ ‬المعلومة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تكسبها‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬في‭ ‬ساعتين‭ ‬في‭ ‬خمس‭ ‬دقائق‭. ‬ولولاه‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬أقل‭ ‬إقبالا‭ ‬على‭ ‬التدخين‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬‮«‬الشياب‮»‬

‭ ‬ولكن‭ ‬العبرة‭ ‬في‭ ‬‮«‬ماذا‭ ‬تشاهد‮»‬‭ ‬على‭ ‬الشاشة‭: ‬همك‭ ‬الأساسي‭ ‬والوحيد‭ ‬هو‭ ‬المسلسلات‭ ‬العربية‭ ‬والتركية؟‭ ‬مرحبا‭ ‬بك‭ ‬في‭ ‬‮«‬محو‭ ‬الأمية‮»‬‭! ‬كل‭ ‬علاقتك‭ ‬بالتلفزيون‭ ‬هي‭ ‬الأغاني؟‭ ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬دليلا‭ ‬على‭ ‬حبك‭ ‬للموسيقى‭ ‬فعاشق‭ ‬الموسيقى‭ ‬الحقيقي‭ ‬يفضل‭ ‬سماعها‭ ‬على‭ ‬شريط‭ ‬أو‭ ‬قرص‭ ‬صوتي،‭ ‬وعندي‭ ‬يوتيوب‭ ‬فيه‭ ‬أطنان‭ ‬من‭ ‬الأغنيات‭ ‬والمقاطع‭ ‬الموسيقية‭. ‬وربما‭ ‬أنت‭ ‬متعلق‭ ‬بشكل‭ ‬من‭ ‬يغني‭ ‬وبأشكال‭ ‬من‭ ‬يحيطون‭ ‬به‭/ ‬بها‭. ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬أنني‭ ‬اعتبر‭ ‬مدمني‭ ‬المسلسلات‭ ‬المهندية‭ ‬والأغاني‭ ‬جهلة‭ ‬او‭ ‬‮«‬هايفين‮»‬،‭..‬حاشا‭.. ‬هم‭ ‬فقط‭ ‬لا‭ ‬يعطون‭ ‬اهتماما‭ ‬كافيا‭ ‬لغذاء‭ ‬العقل‭ ‬الذي‭ ‬يوفره‭ ‬التلفزيون‭ ‬في‭ ‬جرعات‭ ‬مكثفة‭ ‬ويعطون‭ ‬الأولوية‭ ‬للفرفشة‭ ‬ذات‭ ‬التأثير‭ ‬الوقتي‭ ‬قصير‭ ‬الأمد‭. ‬فالإفراط‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬ضار‭ ‬بالصحة‭ ‬النفسية‭ ‬او‭ ‬العضوية،‭ ‬فحتى‭ ‬الماء‭ ‬إذا‭ ‬أفرطت‭ ‬في‭ ‬تناوله‭ ‬يسبب‭ ‬لك‭ ‬متاعب‭ ‬صحية‭ ‬جمة‭. ‬لأنه‭ ‬يجرف‭ ‬المعادن‭ ‬والمواد‭ ‬الضرورية‭ ‬لصحة‭ ‬البدن،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإنه‭ ‬وفي‭ ‬تقديري‭ ‬فإن‭ -‬حتى‭ ‬إدمان‭ ‬مشاهدة‭ ‬البرامج‭ ‬التلفزيونية‭ ‬الثقافية‭ ‬والعلمية‭ ‬ضار‭ ‬بالصحة‭ ‬والثقافة‭ ‬والعلم

والشاهد‭: ‬منافع‭ ‬التلفزيون‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مضاره،‭ ‬وفي‭ ‬عصر‭ ‬عولمة‭ ‬الفضاء‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يملكون‭ ‬خطوط‭ ‬دفاع‭ ‬قوية‭ ‬‮«‬يروحون‭ ‬فيها‮»‬‭. (‬حدثتكم‭ ‬بالأمس‭ ‬عن‭ ‬شهلا‭ ‬التي‭ ‬هاجرت‭ ‬الى‭ ‬أمريكا‭ ‬مع‭ ‬زوجها‭ ‬ثم‭ ‬تأمركت،‭ ‬وأوعزت‭ ‬للشرطة‭ ‬انه‭ ‬داعشي‭ ‬كي‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬الطلاق،‭ ‬ومعه‭ ‬ممتلكات‭ ‬الزوج،‭ ‬والشاهد‭ ‬هو‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬عودك‭ ‬الثقافي‭ ‬والأخلاقي‭ ‬هشا‭ ‬فإنك‭ ‬ستجعل‭ ‬‮«‬مهند‮»‬‭ ‬مثلك‭ ‬الأعلى‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬العاطفية‭.. ‬وتثقب‭ ‬شفتك‭ ‬السفلى‭ ‬وتضع‭ ‬فيها‭ ‬قرطا‭.. ‬ولا‭ ‬تقيم‭ ‬وزنا‭ ‬لقريب‭ ‬أو‭ ‬جار‭.. ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬كنت‭ ‬تقف‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬صلبة‭ ‬فسترى‭ ‬العجب‭ ‬العجاب‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تفقد‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬المايوه‭ ‬والحجاب‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا