العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن القطيعة مع الرياضة (1)

اعترف‭ ‬بأنني‭ ‬‮«‬ذبحت‮»‬‭ ‬القراء‭ ‬بالحديث‭ ‬المتكرر‭ ‬عن‭ ‬تدهور‭ ‬العلاقات‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬علم‭ ‬الرياضيات‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬القطيعة‭ ‬التامة‭ ‬بيننا،‭ ‬وبسبب‭ ‬العقدة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المادة‭ ‬صارت‭ ‬عندي‭ ‬حساسية‭ ‬من‭ ‬الرياضة،‭ ‬فما‭ ‬من‭ ‬رجل‭ ‬إلا‭ ‬ولعب‭ ‬بالكرة‭ ‬في‭ ‬طفولته‭ ‬وصباه،‭ ‬إلا‭ ‬صاحبكم‭ ‬هذا،‭ ‬ولحسن‭ ‬حظي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬قد‭ ‬‮«‬دخلت‮»‬‭ ‬بلدتنا‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬السودان،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬ثم‭ ‬أي‭ ‬حديث‭ ‬او‭ ‬نقاش‭ ‬حولها‭ ‬او‭ ‬حول‭ ‬الأندية‭ ‬ذات‭ ‬الشنة‭ ‬والرنة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬حادثا‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬الأوسط،‭ ‬حيث‭ ‬الولاء‭ ‬لناديي‭ ‬المريخ‭ ‬والهلال‭ ‬يعلو‭ ‬على‭ ‬الولاء‭ ‬الحزبي‭ ‬والقبلي‭.‬

وأعرف‭ ‬ان‭ ‬الرياضة‭ ‬ممتعة‭ ‬لمن‭ ‬يمارسونها‭ ‬ولمن‭ ‬يشاهدون‭ ‬ويتابعون‭ ‬من‭ ‬يمارسها،‭ ‬وأعرف‭ ‬أن‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬لعبة‭ ‬ديمقراطية،‭ ‬يمارسها‭ ‬الأغنياء‭ ‬والفقراء‭ ‬والكبار‭ ‬والصغار‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬القارات،‭ ‬وأعرف‭ ‬أن‭ ‬الولع‭ ‬بالرياضة‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬الطبقية،‭ ‬فهناك‭ ‬الأستاذ‭ ‬الجامعي‭ ‬المخضرم‭ ‬المنضبط‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ولكن‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬منافسة‭ ‬رياضية‭ ‬تهمه،‭ ‬فإنه‭ ‬يلغي‭ ‬المحاضرات‭ ‬ويؤجل‭ ‬الامتحانات‭ ‬ليشهد‭ ‬وقائعها،‭ ‬وهناك‭ ‬عامل‭ ‬البناء‭ ‬البسيط‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬باليومية‭ ‬ولكنه‭ ‬مستعد‭ ‬للتضحية‭ ‬بأجر‭ ‬يوم‭ ‬كامل‭ (‬يعني‭ ‬الكثير‭ ‬بالنسبة‭ ‬له‭)‬،‭ ‬ليحضر‭ ‬مباراة‭ ‬في‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬تكلفه‭ ‬أجر‭ ‬أسبوع‭ ‬كامل‭. ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬بالتحديد‭ ‬هي‭ ‬حبيبة‭ ‬البلايين‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬القارات،‭ ‬ولهذا‭ ‬صارت‭ ‬بعض‭ ‬الصحف‭ ‬تخصص‭ ‬ملحقا‭ ‬كاملا‭ ‬في‭ ‬أعدادها‭ ‬اليومية‭ ‬للأنشطة‭ ‬الرياضية،‭ ‬وكشخص‭ ‬كان‭ ‬يقرأ‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬خمس‭ ‬الى‭ ‬سبع‭ ‬صحف‭ ‬يوميا‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الذهبي‭ ‬للصحف‭ ‬الورقية‭ (‬يعني‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭) ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬شيء‭ ‬أفعله‭ ‬فور‭ ‬الإمساك‭ ‬بها‭ ‬هو‭ ‬‮«‬التخلص‮»‬‭ ‬من‭ ‬الملاحق‭ ‬الرياضية‭. ‬وأعرف‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬نقادا‭ ‬وكتابا‭ ‬متخصصين‭ ‬في‭ ‬الرياضة‭ ‬يجد‭ ‬القراء‭ ‬في‭ ‬كتاباتهم‭ ‬متعة‭ ‬إضافية‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬عن‭ ‬أحداث‭ ‬رياضية‭ ‬شهدوا‭ ‬وقائعها،‭ ‬وأعرف‭ ‬بحكم‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الصحافة‭ ‬بكل‭ ‬أنواعها‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬نقادا‭ ‬رياضيين‭ ‬ذوي‭ ‬ثقافة‭ ‬موسوعية‭ ‬في‭ ‬الرياضة‭ ‬ويكلمونك‭ ‬فتدرك‭ ‬ان‭ ‬الرياضة‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬حركات‭ ‬بل‭ ‬نشاط‭ ‬إنساني‭ ‬محكوم‭ ‬بقواعد‭ ‬وضوابط‭. ‬بس‭ ‬ربنا‭ ‬خلقني‭ ‬هكذا‭: ‬لم‭ ‬أمارس‭ ‬نشاطا‭ ‬رياضيا‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬ولست‭ ‬معجبا‭ ‬بأي‭ ‬ناد‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭ ‬أو‭ ‬كرة‭ ‬الأنف‭ ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬لأن‭ ‬أقرأ‭ ‬الملاحق‭ ‬الرياضية‭.‬

وأكثر‭ ‬ما‭ ‬يضايقني‭ ‬في‭ ‬الكلام‭ ‬حول‭ ‬الرياضة‭ ‬شفاهة‭ ‬او‭ ‬كتابة،‭ ‬الموال‭ ‬السخيف‭ ‬عن‭ ‬الأخلاق‭ ‬الرياضية‭ ‬وكيف‭ ‬ان‭ ‬الرياضة‭ ‬هي‭ ‬سفير‭ ‬سلام‭ ‬بين‭ ‬الشعوب،‭ ‬وتحضرني‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬وقائع‭ ‬مباراة‭ ‬بين‭ ‬المنتخبين‭ ‬المصري‭ ‬والجزائري‭ ‬في‭ ‬الخرطوم‭ ‬قبل‭ ‬أعوام،‭ ‬والتي‭ ‬اشتعلت‭ ‬فيها‭ ‬الحرب‭ ‬الكلامية‭ ‬ثم‭ ‬التشابك‭ ‬بالأيدي‭ ‬والأسلحة‭ ‬البيضاء‭ ‬والحجارة‭ ‬قبل‭ ‬وبعد‭ ‬كل‭ ‬مباراة،‭ ‬وسياسيون‭ ‬وإعلاميون‭ ‬غوغائيون‭ ‬عمدوا‭ ‬إلى‭ ‬تحويل‭ ‬التنافس‭ ‬الكروي‭ ‬الى‭ ‬حرب‭ ‬سياسية‭ ‬ودبلوماسية‭ ‬شاملة،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬البلدان‭ ‬متجاورين‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬مستبعدا‭ ‬أن‭ ‬يتقاتل‭ ‬جيشاهما‭! ‬واسألوا‭ ‬أهل‭ ‬هندوراس‭ ‬والسلفادور،‭ ‬البلدان‭ ‬اللذان‭ ‬دخلا‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬بالطائرات‭ ‬والدبابات‭ ‬بسبب‭ ‬‮«‬هدف‮»‬‭ ‬مختلف‭ ‬على‭ ‬صحته‭. ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬صارت‭ ‬الرياضة‭ ‬تجارة‭ ‬وأندية‭ ‬كرة‭ ‬قدم‭ ‬مثل‭ ‬مانشستر‭ ‬يونايتد‭ ‬وبرشلونة‭ ‬وإيه‭ ‬سي‭ ‬ميلان،‭ ‬مدرجة‭ ‬في‭ ‬البورصات‭.. ‬مانشستر‭ ‬يونايتد‭ ‬كسب‭ ‬450‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2010،‭ ‬ولكنه‭ ‬اليوم‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬دين‭ ‬يفوق‭ ‬الـ450‭ ‬مليون‭ ‬دولار،‭ ‬ولا‭ ‬ينجح‭ ‬فريق‭ ‬او‭ ‬ناد‭ ‬تجاريا‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكسب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المباريات‭. ‬يكسبها‭ ‬بأي‭ ‬طريقة‭: ‬عرقلوا‭ ‬جناحهم‭ ‬الأيمن‭ ‬بطريقة‭ ‬تجعله‭ ‬يصاب‭ ‬ولا‭ ‬يكمل‭ ‬المباراة،‭ ‬وهذه‭ ‬مهمتك‭ ‬يا‭ ‬كوتوموتو‭ ‬يا‭ ‬روح‭ ‬أمك‭ ‬‮«‬ولو‭ ‬طردك‭ ‬الحكم‭ ‬خير‭ ‬وبركة‮»‬‭. ‬ويكون‭ ‬اللاعب‭ ‬كوتوموتو‭ ‬هذا‭ ‬عديم‭ ‬الفائدة‭ ‬ولم‭ ‬يجد‭ ‬النادي‭ ‬من‭ ‬يشتريه‭ ‬و«صابر‭ ‬عليه‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬ان‭ ‬تنتهي‭ ‬مدة‭ ‬التعاقد‭ ‬معه‭.‬

وعندنا‭ ‬صارت‭ ‬مباريات‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬‮«‬برستيج‮»‬،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المباريات‭ ‬الخارجية‭. ‬دول‭ ‬مسكينة‭ ‬وغلبانة‭ ‬وتعرف‭ ‬أنها‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬أي‭ ‬نجاح‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬العلوم‭ ‬والاختراعات‭ ‬والمعرفة‭ ‬بصفة‭ ‬عامة،‭ ‬وتجد‭ ‬العزاء‭ ‬والفرحة‭ ‬في‭ ‬فوز‭ ‬الفرق‭ ‬التي‭ ‬تمثلها‭ ‬في‭ ‬مباريات‭ ‬مع‭ ‬فرق‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬غير‭ ‬مذكورة‭ ‬في‭ ‬الأطلس‭.. ‬المهم‭ ‬هو‭ ‬الفوز‭.. ‬تذكروا‭ ‬فضيحة‭ ‬اتحاد‭ ‬كرة‭ ‬قدم‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭: ‬استعدادا‭ ‬لمنافسات‭ ‬خارجية،‭ ‬استقدموا‭ ‬فريقا‭ ‬إفريقيا‭ ‬وفاز‭ ‬منتخبهم‭ ‬عليه‭ ‬عن‭ ‬جدارة‭ ‬9‭-‬صفر،‭ ‬واتضح‭ ‬أن‭ ‬الفريق‭ ‬الإفريقي‭ ‬مكون‭ ‬من‭ ‬عيال‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬مسح‭ ‬الأحذية‭ ‬وغسل‭ ‬السيارات‭.‬

غدا‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬أحكي‭ ‬لكم‭ ‬أشياء‭ ‬ستجعل‭ ‬معظمكم‭ ‬يطلق‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬بالثلاثة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا