العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عليكم بسياسة زياد بن أبيه

كان‭ ‬زياد‭ ‬بن‭ ‬أبيه‭ ‬واليا‭ ‬على‭ ‬البصرة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬معاوية‭ ‬بن‭ ‬ابي‭ ‬سفيان،‭ ‬وفيها‭ ‬ألقى‭ ‬خطبته‭ ‬‮«‬البتراء‮»‬،‭ ‬وسميت‭ ‬كذلك‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يبدأها‭ ‬‮«‬بسم‭ ‬الله‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬أعجبت‭ ‬بتلك‭ ‬الخطبة‭ -‬برغم‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬وعيد،‭ ‬بدرجة‭ ‬أنني‭ ‬حفظت‭ ‬معظمها‭ ‬غيبا،‭ ‬وأعجبني‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬خاص‭ ‬قوله‭: ‬إني‭ ‬رأيت‭ ‬آخر‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يصلح‭ ‬إلا‭ ‬بما‭ ‬صلح‭ ‬به‭ ‬أوله‭: ‬لين‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬ضعف،‭ ‬وشدة‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬عنف‭. ‬وإني‭ ‬أقسم‭ ‬بالله‭ ‬لآخذن‭ ‬الولي‭ ‬بالمولى،‭ ‬والمقيم‭ ‬بالظاعن،‭ ‬والمقبل‭ ‬بالمدبر،‭ ‬والمطيع‭ ‬بالعاصي،‭ ‬والصحيح‭ ‬منكم‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬بالسقيم‭ ‬حتى‭ ‬يلقي‭ ‬الرجل‭ ‬منكم‭ ‬أخاه‭ ‬فيقول‭: ‬انج‭ ‬سعد‭ ‬فقد‭ ‬هلك‭ ‬سعيد،‭ ‬أو‭ ‬تستقيم‭ ‬لي‭ ‬قناتكم‭.‬

وسياستي‭ ‬مع‭ ‬عيالي‭ ‬كانت‭ ‬بألّا‭ ‬أكون‭ ‬ليِّنا‭ ‬فأُعْصَر،‭ ‬ولا‭ ‬يابسا‭ ‬فأُكْسَر،‭ ‬وفي‭ ‬تقديري‭ ‬فمن‭ ‬الضروري‭ ‬ان‭ ‬يعرف‭ ‬الأطفال‭ ‬متى‭ ‬نقول‭ ‬نحن‭ ‬أولياء‭ ‬أمورهم‭ ‬‮«‬لا‮»‬،‭ ‬ولمن‭ ‬نقولها،‭ ‬ولماذا‭ ‬نقولها،‭ ‬وفي‭ ‬أي‭ ‬الحالات‭ ‬لا‭ ‬نقولها‭. ‬نعم‭ ‬فليس‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬التربية‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬لا‮»‬‭ ‬حاضرة‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الأب‭ ‬او‭ ‬الأم‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬وطوال‭ ‬الدوام‭ ‬المنزلي،‭ ‬كلما‭ ‬طلب‭ ‬العيال‭ ‬أمرا‭ (‬أريد‭ ‬أن‭ ‬ألعب‭ ‬مع‭ ‬حسون‭.. ‬لا‭... ‬أريد‭ ‬مشاهدة‭ ‬مباراة‭.. ‬لا‭.. ‬أريد‭ ‬سندويتش‭ ‬بيرغر‭.. ‬لا‭) ‬أعني‭ ‬انه‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الموازنة‭ ‬بين‭ ‬التدليل‭ ‬والتدليع،‭ ‬والجفاء‭ ‬والقسوة‭ ‬ولو‭ ‬بالكلام‭ ‬‮«‬الناشف‮»‬‭. ‬والمصيبة‭ ‬الكبرى‭ ‬هي‭ ‬ان‭ ‬ينقسم‭ ‬الأب‭ ‬والأم‭ ‬الى‭ ‬حزبين‭ ‬أحدهما‭ ‬يلعب‭ ‬دور‭ ‬الحنين‭ ‬الرؤوم،‭ ‬و‮«‬يفوِّت‮»‬‭ ‬للعيال‭ ‬أخطاءهم،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬فداحتها‭ ‬بينما‭ ‬يميل‭ ‬الآخر‭ ‬إلى‭ ‬الحزم‭. ‬ومن‭ ‬غرائب‭ ‬الأمور‭ ‬أن‭ ‬الآباء‭ ‬عادة‭ ‬أشد‭ ‬حزما‭ ‬مع‭ ‬الأولاد‭ ‬وأكثر‭ ‬رقة‭ ‬مع‭ ‬بناتهم،‭ ‬والعكس‭ ‬عند‭ ‬الأمهات‭ ‬اللواتي‭ ‬يكون‭ ‬عادة‭ ‬أكثر‭ ‬تدليلا‭ ‬للذكور‭ ‬من‭ ‬عيالهم‭.‬

عندما‭ ‬بدأت‭ ‬التدخين‭ ‬اكتشفت‭ ‬أمي‭ ‬الأمر‭ ‬فقالت‭: ‬أبوك‭ ‬سيقتلك‭ ‬لو‭ ‬عرف‭ ‬بالأمر‭. ‬لازم‭ ‬تعمل‭ ‬حسابك‭! ‬وعملت‭ ‬حسابي‭ ‬وعلقت‭ ‬في‭ ‬ضباب‭ ‬التبغ‭ ‬قرابة‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭ ‬أصيبت‭ ‬خلالها‭ ‬رئتي‭ ‬وجيبي‭ ‬بالثقوب‭. ‬ولو‭ ‬ردعتني‭ ‬وزجرتني‭ ‬أو‭ ‬أبلغت‭ ‬والدي‭ ‬لربما‭ ‬ما‭ ‬واصلت‭ ‬التدخين‭. ‬والأطفال‭ ‬أذكياء‭: ‬يا‭ ‬أحلى‭ ‬ماما‭.. ‬تعرفين‭ ‬أن‭ ‬أبوي‭ ‬صعب‭ ‬ومو‭ ‬حنين‭ ‬مثلك‭.. ‬كلميه‭ ‬عشان‭ ‬يخليني‭ ‬أبيت‭ ‬الليلة‭ ‬عند‭ ‬صديقتي‭ ‬سونيا‭.. ‬بس‭ ‬خليها‭ ‬كأن‭ ‬الاقتراح‭ ‬منك‭ ‬أنت‭ ‬مو‭ ‬مني‭ ‬أنا‭. ‬وتعتقد‭ ‬الأم‭ ‬بذلك‭ ‬ان‭ ‬حب‭ ‬بنتها‭ ‬لها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬حبها‭ ‬لأبيها،‭ ‬ولا‭ ‬يخطر‭ ‬ببالها‭ ‬انها‭ ‬تستعبط،‭ ‬بل‭ ‬وربما‭ ‬تحترم‭ ‬الأب‭ ‬أكثر‭ ‬لأنها‭ ‬تعرف‭ ‬أنه‭ ‬صارم‭ ‬حيث‭ ‬ينبغي‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬صارما‭ ‬وعطوفا‭ ‬وودودا‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الأحوال‭. ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬قائم‭ ‬في‭ ‬غالبية‭ ‬بيوتنا‭ ‬لأن‭ ‬الأب‭ ‬غائب‭ ‬عن‭ ‬حياة‭ ‬البيت‭ ‬بسبب‭ ‬‮«‬مشاغل‭ ‬الدنيا‭ ‬وأكل‭ ‬العيش‮»‬‭. ‬ويترك‭ ‬مسؤولية‭ ‬رعاية‭ ‬العيال‭ ‬للأم‭.. ‬والأم‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬عاملة‭ ‬مثله،‭ ‬ووقتها‭ ‬موزع‭ ‬بين‭ ‬البيت‭ ‬والعمل‭ ‬ومن‭ ‬حقها‭ ‬ان‭ ‬تطلب‭ ‬الراحة‭ ‬والهدوء‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬دوشة‭ ‬العيال‭ ‬بعض‭ ‬الوقت،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬متفرغة‭ ‬لشؤون‭ ‬البيت‭ ‬ولكن‭ ‬كثرة‭ ‬الأعباء‭ ‬تجعلها‭ ‬تلجأ‭ ‬الى‭ ‬طلب‭ ‬راحة‭ ‬البال‭ ‬بالاستجابة‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬يطلبه‭ ‬العيال‭. ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬تشتري‭ ‬راحة‭ ‬بالها‭ ‬‮«‬مؤقتا‮»‬‭ ‬بتلبية‭ ‬طلبات‭ ‬‮«‬المستمعين‮»‬،‭ ‬ويفاقم‭ ‬الوضع‭ ‬ان‭ ‬الأسرة‭ ‬الممتدة‭ ‬بدأت‭ ‬تتآكل‭ ‬باسم‭ ‬مشاغل‭ ‬الحياة‭. ‬فيما‭ ‬مضى‭ ‬كان‭ ‬الطفل‭ ‬يعمل‭ ‬حسابا‭ ‬للعم‭ ‬وابن‭ ‬الخال‭ ‬والعمة‭ ‬وبنت‭ ‬الخال‭ ‬وزوج‭ ‬أخته‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬حقه‭ ‬أن‭ ‬يزجره‭. ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬انتهى‭ ‬أو‭ ‬كاد،‭ ‬وإذا‭ ‬تعرض‭ ‬طفل‭ ‬للزجر‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قريب‭ ‬غير‭ ‬والديه‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬القول‭ ‬له‭: ‬انت‭ ‬لست‭ ‬أبي‭/‬أمي‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬حقك‭ ‬ان‭ ‬تخاطبني‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة‭. ‬بل‭ ‬يقول‭ ‬الأطفال‭ ‬ذلك‭ ‬الكلام‭ ‬لإخوتهم‭ ‬الكبار‭: ‬أنت‭ ‬مو‭ ‬أبوي‭.. ‬خلّك‭ ‬في‭ ‬حالك‭.. ‬وأحيانا‭ ‬قد‭ ‬يحتج‭ ‬الطفل‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬الأم‭/‬الأب‭ ‬ويطالب‭ ‬بتفسير‭ ‬وتبرير،‭ ‬شخصيا‭ ‬لا‭ ‬أتردد‭ ‬في‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬الاحتجاج‭ ‬بأنني‭ ‬اتخذت‭ ‬القرار‭ ‬لأنني‭ ‬أملك‭ ‬الصلاحية‭ ‬لذلك‭ ‬بحكم‭ ‬انني‭ ‬أب‭ ‬وبأنني‭ ‬لا‭ ‬أدخل‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ ‬مع‭ ‬الإرهابيين‭. ‬العيال‭ ‬يلجأون‭ ‬إلى‭ ‬أساليب‭ ‬الإرهابيين‭ ‬الذين‭ ‬يحتجزون‭ ‬رهائن،‭ ‬ومنها‭ ‬الابتزاز‭: ‬يعني‭ ‬ما‭ ‬تحبوني؟‭ ‬لا،‭ ‬بل‭ ‬نحبك‭ ‬ونرفض‭ ‬تلبية‭ ‬جميع‭ ‬رغباتك‭ ‬لأننا‭ ‬نحبك‭. ‬ولأن‭ ‬الطفل‭ ‬لبيب‭ ‬ويفهم‭ ‬بالإشارة،‭ ‬فيجب‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬ان‭ ‬يقترن‭ ‬الزجر‭ ‬والنهر‭ ‬ورفض‭ ‬الطلبات‭ ‬بأدلة‭ ‬ملموسة‭ (‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬كلام‭) ‬على‭ ‬أنه‭ ‬محبوب،‭ ‬ليس‭ ‬بالانهزام‭ ‬أمام‭ ‬ابتزازه‭ ‬و‮«‬حركاته‭ ‬القرعة‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬بمنحه‭ ‬الإحساس‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬أشياء‭ ‬كثيرة‭ ‬يحبها‭ ‬مباحة‭ ‬ومتاحة‭. ‬وفي‭ ‬تقديري،‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬أسوأ‭ ‬خصال‭ ‬الأبوة‭ ‬والأمومة‭ ‬مواصلة‭ ‬تمثيل‭ ‬دور‭ ‬الزعلان‭ ‬لساعات‭ ‬أو‭ ‬أيام‭. ‬العفو‭ ‬والمسامحة‭ ‬أحيانا‭ ‬عقوبة‭ ‬تأتي‭ ‬بنتائج‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬التكشير‭ ‬والصراخ‭ ‬المتواصل‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا