العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

المرض رجاليا ونسائيا

من‭ ‬فضل‭ ‬الله‭ ‬عليّ‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أتمارض‭ ‬إذا‭ ‬أصبت‭ ‬بعارض‭ ‬صحي‭ ‬خفيف‭ ‬نوعا‭ ‬ما،‭ ‬وذلك‭ ‬أن‭ ‬عندي‭ ‬أمراضا‭ ‬مستوطنة‭ ‬ولديها‭ ‬إقامة‭ ‬نظامية‭ ‬في‭ ‬جسمي،‭ ‬وأصاب‭ ‬أحيانا‭ ‬بأمراض‭ ‬‮«‬محترمة‮»‬‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬يتطلب‭ ‬زيارة‭ ‬الطبيب‭ ‬ثم‭ ‬المختبرات‭ ‬الطبية‭ ‬وأقسام‭ ‬التصوير‭ ‬بأشعة‭ ‬إكس‭ ‬وأشعة‭ ‬دبليو‭ ‬سي‭ (‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الاسم‭ ‬الذي‭ ‬اخترته‭ ‬للرنين‭ ‬المغناطيسي‭ ‬لأن‭ ‬الانحشار‭ ‬داخل‭ ‬ذلك‭ ‬الجهاز‭ ‬ينشط‭ ‬المثانة‭ ‬والجهاز‭ ‬الهضمي‭ ‬عموما‭) ‬ولكنني‭ ‬لست‭ ‬ميالا‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬للشكوى‭ ‬من‭ ‬المرض،‭ ‬ولا‭ ‬استسلم‭ ‬للمرض‭ ‬‮«‬فيني‭ ‬حيل‭ ‬وشدة‮»‬‭. ‬بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬الاستسلام‭ ‬للمرض،‭ ‬ولا‭ ‬أحب‭ ‬التمارض،‭ ‬وإذا‭ ‬ألزمني‭ ‬مرض‭ ‬ما‭ ‬السرير‭ ‬فإنني‭ ‬أحاول‭ ‬قدر‭ ‬المستطاع‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬السرير‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬‮«‬الجلوس‮»‬‭ ‬بل‭ ‬وخدمة‭ ‬نفسي‭ ‬بنفسي،‭ ‬فليس‭ ‬من‭ ‬عادتي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬أن‭ ‬أصيح‭: ‬يا‭ ‬ولد‭ ‬جيب‭ ‬موية‭.. ‬يا‭ ‬بنت‭ ‬افتحي‭ ‬المكيف‭.. ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬أخدم‭ ‬نفسي‭ ‬بنفسي‭.. ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الرسمي‭ ‬فإنني‭ ‬إذا‭ ‬رأيت‭ ‬أن‭ ‬مهمة‭ ‬ما‭ ‬تتطلب‭ ‬جهدا‭ ‬معينا‭ ‬وحرصا‭ ‬خاصا‭ ‬أقوم‭ ‬بها‭ ‬بنفسي‭ ‬أو‭ ‬أتابع‭ ‬من‭ ‬كَلَّفته‭ ‬بها‭ ‬لحظة‭ ‬بلحظة‭.‬

إلى‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬ذات‭ ‬صباح‭ ‬يا‭ ‬فتاح،‭ ‬فقد‭ ‬عدت‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬بعد‭ ‬زيارة‭ ‬بعض‭ ‬الأقارب‭ ‬وأحسست‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬خللا‭ ‬في‭ ‬شاسي‭ (‬هيكل‭) ‬جسمي‭: ‬آلام‭ ‬في‭ ‬المفاصل‭ ‬وفتور‭ ‬عام،‭ ‬وبما‭ ‬أنني‭ ‬استشاري‭ ‬طب‭ ‬وجراحة‭ ‬وباطنية‭ ‬وقلب،‭ ‬وأمراض‭ ‬نساء‭ ‬وولادة‭ ‬ومخ‭ ‬وأعصاب‭ ‬ومسالك‭ ‬بولية‭ (‬لا‭ ‬مؤاخذة‭) ‬وحاصل‭ ‬على‭ ‬زمالة‭ ‬الأذن‭ ‬والكتف‭ ‬والحنجرة‭ ‬والأمراض‭ ‬الجلدية‭.. ‬يعني‭ ‬بالعربي‭ ‬جاهل‭ ‬يدعي‭ ‬العلم‭ ‬بما‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬به‭ ‬علم‭. ‬وهذه‭ ‬خصلة‭ ‬تؤكد‭ ‬عمق‭ ‬انتمائي‭ ‬العربي،‭ ‬فالعربي‭ ‬‮«‬بتاع‭ ‬كله‮»‬‭ ‬وكله‭ ‬عند‭ ‬العرب‭ ‬صابون‭. ‬وبصفة‭ ‬عامة‭ ‬فالرجل‭ ‬العربي‭ ‬بالتحديد‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬الأمور‭ ‬الصحية‭ ‬بواحدة‭ ‬من‭ ‬طريقتين،‭ ‬أكثرهما‭ ‬رواجا‭ ‬هي‭ ‬طريقة‭ ‬‮«‬ولا‭ ‬يهمك‮»‬‭.. ‬بطنه‭ ‬تولول،‭ ‬وصدره‭ ‬يكركر،‭ ‬وظهره‭ ‬يطقطق،‭ ‬فيفسر‭ ‬ذلك‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬نزلة‭ ‬بسيطة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬قولون‭ ‬عصبي،‭ ‬ونومة‭ ‬بعد‭ ‬الغداء‭ ‬وكل‭ ‬شيء‭ ‬يصير‭ ‬تمام‭ ‬التمام‮»‬‭.. ‬والطريقة‭ ‬الثانية‭ ‬هي‭ ‬التشخيص‭ ‬والعلاج‭ ‬الذاتي‭: ‬ميرمية‭ ‬مغلية‭ ‬لوجع‭ ‬البطن‭ ‬ومرهم‭ ‬حار‭ ‬للظهر‭ ‬وحليب‭ ‬بالزنجبيل‭ ‬يشيل‭ ‬كل‭ ‬البلاوي‭ ‬اللي‭ ‬في‭ ‬الصدر،‭ ‬وعسل‭ ‬نحل‭ ‬بالفلفل‭ ‬يشفي‭ ‬البواسير،‭ (‬تذكرت‭ ‬السوداني‭ ‬المقيم‭ ‬في‭ ‬السعودية‭ ‬والذي‭ ‬نشرت‭ ‬جريدة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬عن‭ ‬شفائه‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬البهاق‭ ‬الجلدي‭ ‬الذي‭ ‬عانى‭ ‬منه‭ ‬لربع‭ ‬قرن‭ ‬باستخدام‭ ‬شحم‭ ‬محركات‭ ‬السيارات‭.. ‬وبعد‭ ‬نشر‭ ‬الخبر‭ ‬بشهور‭ ‬نشرت‭ ‬نفس‭ ‬الصحيفة‭ ‬تقريرا‭ ‬عن‭ ‬عشرات‭ ‬الناس‭ ‬أصيبوا‭ ‬بقروح‭ ‬وجروح‭ ‬أجبرتهم‭ ‬على‭ ‬لزوم‭ ‬المستشفيات‭ ‬لأنهم‭ ‬استخدموا‭ ‬تلك‭ ‬الشحوم‭ ‬لعلاج‭ ‬البهاق‭).‬

والنساء‭ ‬يأخذن‭ ‬الأمور‭ ‬الصحية‭ ‬بجدية‭ ‬أكبر‭ ‬ويسارعن‭ ‬الى‭ ‬الطبيب‭ ‬كلما‭ ‬أحسسن‭ ‬بعلة‭ ‬ما،‭ ‬ولكن‭ ‬عددا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬يتخذن‭ ‬من‭ ‬زيارة‭ ‬الطبيب‭ ‬‮«‬هواية‮»‬‭ ‬بسبب‭ ‬الهلع‭ ‬الذي‭ ‬ينتابهن‭ ‬عند‭ ‬المرض‭. ‬الطبيب‭ ‬يقول‭ ‬لها‭ ‬ان‭ ‬الصداع‭ ‬الذي‭ ‬ظلت‭ ‬تشكو‭ ‬منه‭ ‬طوال‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬سببه‭ ‬الإمساك‭ ‬الذي‭ ‬ظلت‭ ‬تعاني‭ ‬منه‭ ‬طوال‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر،‭ ‬ويصف‭ ‬لها‭ ‬دواء‭ ‬ينظم‭ ‬عمل‭ ‬الجهاز‭ ‬الهضمي‭ ‬وبعض‭ ‬المسكنات‭ ‬العادية‭ ‬ولكنها‭ ‬تعتقد‭ ‬جازمة‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬علة‭ ‬في‭ ‬رأسها‭ ‬وتصر‭ ‬على‭ ‬‮«‬الإشاعة‮»‬،‭ ‬وتعني‭ ‬بذلك‭ ‬التصوير‭ ‬بأشعة‭ ‬إكس‭ ‬ثم‭ ‬أشعة‭ ‬واي،‭ ‬ثم‭ ‬أشعة‭ ‬زد‭. ‬ويكون‭ ‬لها‭ ‬ما‭ ‬تريد‭ ‬وتظهر‭ ‬الأشعة‭ ‬ان‭ ‬رأسها‭ ‬سليم‭ ‬ولكنها‭ ‬لن‭ ‬تطمئن‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تصوير‭ ‬الرأس‭ ‬بالرنين‭ ‬المغناطيسي‭ ‬والأشعة‭ ‬المقطعية‭. ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬لأنها‭ ‬سمعت‭ ‬ان‭ ‬صداع‭ ‬حليمة‭ ‬المستمر‭ ‬اتضح‭ ‬انه‭ ‬شقيقة‭/‬مقرين،‭ ‬ولأنها‭ ‬سمعت‭ ‬ان‭ ‬سوسو‭ ‬كانت‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬صداع‭ ‬وظهر‭ ‬أخيرا‭ ‬أنها‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬ورم‭ ‬بالمخ‭. ‬يعني‭ ‬النساء‭ ‬يعملن‭ ‬بالمثل‭ ‬الانجليزي‭ ‬القائل Better be sure than sorry‭ ‬يعني‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬الشيء‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬الندامة‭.. ‬وعلى‭ ‬الصعيد‭ ‬الشخصي‭ ‬فتعاملي‭ ‬مع‭ ‬المرض‭ ‬يميل‭ ‬الى‭ ‬الأسلوب‭ ‬الرجالي‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬التهويل‭ ‬مع‭ ‬جرعة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬الاستهتار‭ ‬والاستخفاف‭. ‬تعقبها‭ ‬محاولات‭ ‬للعلاج‭ ‬بالعون‭ ‬الذاتي‭ ‬من‭ ‬الصيدلية‭ ‬المنزلية،‭ ‬وينتهي‭ ‬الأمر‭ ‬غالبا‭ ‬باللجوء‭ ‬إلى‭ ‬طبيب‭ ‬مختص‭ ‬‮«‬يهزئني‮»‬‭ ‬على‭ ‬استهتاري‭ ‬بصحتي‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا