العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

خيط رفيع بين هذه وتلك

هنالك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأمثال‭ ‬الشعبية‭ ‬ذات‭ ‬القيمة‭ ‬الإيجابية،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬‮«‬الستر‭ ‬والفضيحة‭ ‬متباريات‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬مثل‭ ‬واسع‭ ‬الانتشار‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬وأجمل‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬ان‭ ‬كلماته‭ ‬الثلاث‭ ‬فصيحة،‭ ‬وبارى‭ ‬الشيء‭ ‬يعني‭ ‬تبعه‭ ‬وجاراه‭ ‬وماشاه‭ ‬وسايره،‭ ‬وفي‭ ‬السودان‭ ‬نقول‭: ‬‮«‬لا‭ ‬تبارِ‭ ‬فلانا‭ ‬لأنه‭ ‬سيء‭ ‬الخلق‮»‬،‭ ‬ونستخدم‭ ‬الكلمة‭ ‬ومشتقاتها‭ ‬غالبا‭ ‬بمعنى‭ ‬تبع‭ ‬يتبع‭. ‬ومعنى‭ ‬المثل‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬خيطا‭ ‬رفيعا‭ ‬بين‭ ‬الستر‭ ‬والانفضاح،‭ ‬وأنه‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يدرك‭ ‬أنه‭ ‬يرتكب‭ ‬‮«‬فضيحة‮»‬‭ ‬أن‭ ‬يستتر،‭ ‬وأنه‭ ‬قد‭ ‬يصعب‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬كثيرة‭ ‬كتمان‭ ‬الفضيحة،‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬شهودا‭ ‬عليها،‭ ‬أو‭ ‬بسبب‭ ‬خفة‭ ‬لسان‭ ‬مرتكبها،‭ ‬او‭ ‬بسبب‭ ‬غبائه‭ ‬وعدم‭ ‬حيطته‭. ‬تذكرت‭ ‬المثل‭ ‬وأنا‭ ‬أقرأ‭ ‬حكاية‭ ‬الزوجين‭ ‬البوسنيين‭ ‬سناء‭ ‬وعدنان،‭ ‬اللذين‭ ‬كانا‭ ‬يتغازلان‭ ‬عبر‭ ‬الانترنت‭ ‬بأسماء‭ ‬مستعارة،‭ ‬وكل‭ ‬منهما‭ ‬لا‭ ‬يدري‭ ‬ان‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬المغازلة‭ ‬هو‭ ‬شريك‭ ‬الحياة‭ (‬الزوج‭/ ‬الزوجة‭)‬،‭ ‬وبما‭ ‬ان‭ ‬محترف‭ ‬الغزل‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬نفسه‭ ‬كـ«قمة‮»‬‭ ‬في‭ ‬الرقة‭ ‬والوسامة‭ ‬وحسن‭ ‬الخلق،‭ ‬فقد‭ ‬أسهب‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬عدنان‭ ‬وسناء‭ ‬في‭ ‬مدح‭ ‬الذات‭: ‬أنا‭ ‬أشبه‭ ‬جعفر‭ ‬عباس‭ ‬وكأني‭ ‬توأمه‭. ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬إنني‭ ‬أحلى‭ ‬منه‭!! ‬بينما‭ ‬سناء‭ ‬بدورها‭: ‬أنا‭ ‬باميلا‭ ‬أندرسون‭ ‬بس‭ ‬خلقة‭ ‬ربنا‭ ‬مش‭ ‬بالعمليات‭ ‬الجراحية‭!! ‬حتى‭ ‬أيقن‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬أنه‭ ‬وجد‭ ‬في‭ ‬الآخر‭ ‬الحبيب‭ ‬الذي‭ ‬افتقده‭ ‬في‭ ‬‮«‬الزوج‮»‬‭. ‬وتصور‭ ‬سعادتهما‭ ‬عندما‭ ‬اكتشفا‭ ‬أنهما‭ ‬يعيشان‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬المدينة،‭ ‬وبالطبع‭ ‬لم‭ ‬يترددا‭ ‬في‭ ‬التخطيط‭ ‬للقاء‭ ‬يحول‭ ‬حبهما‭ ‬الالكتروني‭ ‬الى‭ ‬حب‭ ‬طبيعي‭ ‬‮«‬طالما‭ ‬نحن‭ ‬متفاهمان‭ ‬ومنسجمان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬وكلانا‭ ‬طرف‭ ‬في‭ ‬زيجة‭ ‬فاشلة‮»‬‭. ‬وتواعدا‭: ‬طيب‭ ‬كيف‭ ‬سأتعرَّف‭ ‬عليك؟‭ ‬بسيطة‭ ‬سأرتدي‭ ‬جاكيت‭ ‬بيج‭ ‬وبنطلون‭ ‬بني‭ ‬وقمصا‭ ‬ابيض‭ ‬ماركة‭ ‬فان‭ ‬هوزن‭ ‬هي‭: ‬وأنا‭ ‬سأرتدي‭ ‬سكيرت‭ ‬فوق‭ ‬الركبة‭ ‬بقليل،‭ ‬لونه‭ ‬عسلي‭ ‬وبلوزة‭ ‬حمراء‭ ‬فاتحة،‭ ‬وحذاء‭ ‬ايطاليا‭ ‬بكعب‭ ‬عشرة‭ ‬سنتيمترات،‭ ‬وشعري‭ ‬أحمر‭ ‬على‭ ‬أصفر‭ ‬يجنن‭.. ‬وجاء‭ ‬موعد‭ ‬اللقاء‭ ‬في‭ ‬مقهى‭ ‬ترتاده‭ ‬الطبقات‭ ‬اللي‭ ‬فوق‭. ‬ومن‭ ‬البعد‭ ‬لمح‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬الآخر‭ ‬وتعرّف‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬ثيابه،‭ ‬وخفق‭ ‬القلبان‭: ‬دمدم‭ ‬دمدم‭.. ‬تكتكتك‭.. ‬بمبمبم‭.. ‬وانفرجت‭ ‬الأسارير‭ ‬بالابتسام،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬ان‭ ‬اقتربا‭ ‬حتى‭ ‬صاحا‭ ‬في‭ ‬تزامن‭: ‬يا‭ ‬لهوييييي،‭ ‬جات‭ ‬الحزينة‭ ‬تفرح‭ ‬ملقتلهاش‭ ‬مطرح‭.‬

خيبة‭ ‬أمل‭ ‬كبيرة‭ ‬ان‭ ‬يخطط‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬لخيانة‭ ‬شريك‭ ‬الحياة،‭ ‬ويكتشف‭ ‬ان‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬الخطة‭ ‬هو‭ ‬شريك‭ ‬الحياة‭ ‬نفسه،‭ ‬وخلال‭ ‬دقائق‭ ‬كان‭ ‬عدنان‭ ‬وسناء‭ ‬قد‭ ‬اتفقا‭ ‬على‭ ‬الطلاق،‭ ‬وربما‭ ‬عاد‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬الآن‭ ‬الى‭ ‬الانترنت‭ ‬ليبحثا‭ ‬عن‭ ‬حبيب‭ ‬أو‭ ‬حبيبة‭ ‬بديلين‭ ‬بالمواصفات‭ ‬الالكترونية‭ ‬اللي‭ ‬طلعت‭ ‬فالصو،‭ ‬وهي‭ ‬تحريف‭ ‬لكلمة‭ ‬فولس‭ ‬الانجليزية‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬‮«‬مزيف‮»‬‭.‬

كثير‭ ‬من‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬غافلون‭ ‬عن‭ ‬ان‭ ‬أبنائهم‭ ‬وبناتهم‭ ‬الذين‭ ‬قد‭ ‬يكونون‭ ‬ضالعين‭ ‬في‭ ‬غرام‭ ‬الكتروني،‭ ‬يجعلهم‭ ‬يقضون‭ ‬الساعات‭ ‬الطوال‭ ‬في‭ ‬تبادل‭ ‬عبارات‭ ‬الحب‭ ‬والهيام‭. ‬وأخطر‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الحب‭ ‬الالكتروني‭ ‬ان‭ ‬يتوهم‭ ‬طرف‭ ‬بأنه‭ ‬غارق‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬الحب،‭ ‬ويقرر‭ ‬تزويد‭ ‬الحبيب‭ ‬بصورة‭ ‬فوتوغرافية‭ ‬شخصية‭. ‬وبعض‭ ‬هذه‭ ‬الصور‭ ‬قد‭ ‬تجد‭ ‬طريقها‭ ‬الى‭ ‬مواقع‭ ‬البورنو‭ (‬الفجور‭) ‬بعد‭ ‬التلاعب‭ ‬بها،‭ ‬وقد‭ ‬تصبح‭ ‬أداة‭ ‬للابتزاز‭. ‬هل‭ ‬تذكرون‭ ‬حكاية‭ ‬حكم‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬البرازيلي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يذاكر‭ ‬من‭ ‬خلف‭ ‬ظهر‭ ‬زوجته،‭ ‬أي‭ ‬يقيم‭ ‬علاقة‭ ‬مع‭ ‬أخرى‭ ‬دون‭ ‬علم‭ ‬الزوجة؟‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬نزل‭ ‬صاحبنا‭ ‬الى‭ ‬الملعب‭ ‬وطفق‭ ‬يصفر‭ ‬ويزمجر‭ ‬لضبط‭ ‬المباراة‭ ‬وفق‭ ‬القوانين‭ ‬السارية،‭ ‬ثم‭ ‬اعتدى‭ ‬لاعب‭ ‬على‭ ‬آخر‭ ‬وكان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬طرده‭ ‬من‭ ‬الملعب‭ ‬بإبراز‭ ‬البطاقة‭ ‬الحمراء‭. ‬وكانت‭ ‬المباراة‭ ‬متلفزة‭ ‬وأخرج‭ ‬الحكم‭ ‬ال‭...... ‬حمراء،‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بطاقة،‭ ‬بل‭ ‬قطعة‭ ‬ملابس‭ ‬داخلية‭ ‬نسائية‭. ‬وعاد‭ ‬الى‭ ‬البيت‭ ‬فأخرجت‭ ‬له‭ ‬زوجته‭ ‬بطاقة‭ ‬حمراء‭ ‬حقيقية،‭ ‬وطردته‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬ومن‭ ‬حياتها،‭ ‬وعندها‭ ‬أدرك‭ ‬صاحبنا‭ ‬معنى‭ ‬المثل‭ ‬السوداني‭ ‬‮«‬السترة‭ ‬والفضيحة‭ ‬متباريات‮»‬،‭ ‬ولنتذكر‭ ‬‮«‬إذا‭ ‬بليتم‭ ‬فاستتروا‮»‬‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬خيطا‭ ‬رفيعا‭ ‬بين‭ ‬الإفراط‭ ‬والتفريط‭ ‬وبين‭ ‬التواضع‭ ‬والضعة،‭ ‬أي‭ ‬بين‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬متواضعا‭ ‬وأن‭ ‬تقبل‭ ‬الإهانة‭ ‬والإذلال‭ ‬فتكون‭ ‬وضيعا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا