فازت البحرين بكأس بطولة خليجي 26 التي استضافتها دولة الكويت الشقيقة على ملاعبها. وكانت هذه النتيجة على عكس توقعات المحللين الرياضيين الذين أسقطوا من حساباتهم ترشيح منتخب البحرين للفوز بالبطولة منذ انطلاق منافساتها في نسختها السادسة والعشرين؛ حيث ذهبت كل توقعاتهم إلى ترشيح منتخبات العراق والسعودية واستمرت هذه التوقعات إلى يوم الفصل في المباراة النهائية التي حسمت البحرين بمنتخبها المتميز النتيجة لصالحها وفازت على عمان واستحقت بجدارة واستحقاق لقب بطولة كأس خليجي 16 وخيبت ظنون وتوقعات الذكاء الاصطناعي وأيضا كل المعلقين والمحللين الذين لم يتخيل أي واحد منهم فوز البحرين بلقب البطولة. لكن الأحمر فاجأ الجميع وبعثر أوراقهم وأسقط كل توقعاتهم وانطلق كالصاروخ في بداية المنافسات، واستطاع هزيمة كل من العراق والسعودية وأثبت تفوقه على الجميع وقدم عروضا كروية في غاية الجمال والروعة في لعبة كرة القدم أشاد بها معظم المحللين والمراقبين والنقاد الرياضيين.
كما أن تفوقه في الملعب امتد ليشمل إعجاب لجان التحكيم لمسابقات الدورة؛ فنال لاعبوه شرف جوائز البطولة؛ فذهبت جائزة أفضل حارس مرمى في المنافسات إلى إبراهيم لطف الله التي استحقها عن جدارة واستحقاق وأعاد بنا الذاكرة إلى استدعاء ذكر حمود سلطان حارس مرمى منتخبنا الوطني في منافسات كأس الخليج العربي الذي لمع نجمه في سماء الخليج في القرن الماضي وحصد آنذاك جوائز أفضل حارس في دورات كأس الخليج 1976 وكأس الخليج 1990، وذهبت جائزة أفضل لاعب وجائزة هداف البطولة إلى اللاعب المتميز والخارق كما وصفه بعض المحللين محمد مرهون.
هنيئا للبحرين حكومة وشعبا بهذا الإنجاز الكبير والرائع الذي أثلج صدور الجميع وحول الفرحة إلى ملحمة وطنية تجسدت بشكل واضح في لقاء قائد المسيرة الرياضية جلالة الملك المعظم أبطال البحرين العظام والجماهير في الاستاد الوطني احتفاء بهذا الإنجاز الرياضي العظيم الذي جسمه بجسارة لاعبو منتخبنا الوطني الذين لعبوا بإخلاص وكان نصب أعينهم وهدفهم الأسمى رفع اسم البحرين عاليا في المحافل الرياضية. لقد أدخل هذا المنتخب المتميز الفرحة والبهجة والسرور في نفوس شعب البحرين الوفي الذي توافد على أرض الكويت الحبيبة متحملا عناء السفر ليقف خلف منتخبه ومساندته ودعمه في مدرجات الملاعب من خلال تشجيعه وصدحه بالشيلات المتنوعة التي ضجت بها تلك المدرجات ووصلت إلى آذان اللاعبين فأثارت الحماس في نفوسهم ودفعتهم إلى اللعب بروح قتالية؛ فكان بحق الشريك الفعّال في صنع هذا الإنجاز الكبير.
وفضلا عن تشجيعه المتميز في مدرجات استاد جابر، فإنه أضاف إلى هذه البطولة نكهة خاصة من خلال حضوره الإعلامي القوي في الشارع الكويتي وبالتحديد في «سوق المباركية» وهذا ما لمسناه من خلال حرص الإعلاميين الكويتيين وغيرهم من الخليجيين على إجراء المقابلات والأحاديث مع عدد من المشجعين البحرينيين الذين أسعدوا المشاهدين الكويتيين والخليجيين بسوالفهم وأحاديثهم وتعليقاتهم الشيقة وخفة دمهم التي تعكس طبيعة الإنسان البحريني في بساطته وحبه وعشقه لشعوب الخليج العربي.
إن هذ الإنجاز الرائع بالتأكيد لم يأت من فراغ، إذ لا نشك لحظة واحدة في أن هذا التميز الذي تحلى به أفراد منتخبنا الوطني يقف وراءه فريق متكامل من الإداريين والفنيين وعلى رأسهم سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة وسمو الشيخ خالد بن حمد آل خليفة والإداريون الآخرون الذين واصلوا الليل بالنهار في العمل؛ فوضعوا الاستراتيجيات والخطط من أجل الوصول إلى هذه الغاية؛ فشكراً لهم من القلب ونحمد الله أن جهودهم لم تذهب سدى وأن ظنونهم في اللاعبين كانت في محلها إذ ترجم لاعبو البحرين تلك الخطط والاستراتيجيات على أرض الملاعب فكان اللعب الجماعي هو ديدنهم واسم البحرين هو عنوانهم ونتيجة لذلك كان الفوز حليفهم.
من جهة أخرى، فإن لهذه البطولة طعما مميزا خاصة بالنسبة إلينا نحن جيل السبعينيات الذين عاصرنا هذه البطولة منذ انطلاقها وكنا وقتها أطفالا صغاراً وشباباً يافعين فهي محفورة في ذاكرتنا نستذكرها دائماً ونستذكر أساطير الكرة البحرينية الأولين الذين كانوا نجوما تتلألأ في سماء دول الخليج العربية فضلا ًعن تمتعهم بالروح الأخلاقية العالية والمهارات الفنية المتميزة في الملاعب ورغم شهرتهم آنذاك فقد ظل هؤلاء هواة إلى أن وصلوا إلى مرحلة الاعتزال ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر أحمد بن سالمين وسالم مبارك (سليم) وعدنان أيوب ثم في الدورات اللاحقة فؤاد بوشقر خليل شويعر، حسن زليخ، وحسن علي سلمان شريدة، وابراهيم زويد وحمود سلطان هؤلاء الهواة وغيرهم كثر أمتعوا الجماهير البحرينية بأدائهم الفني وأخلاقهم العالية.
اللافت للنظر في كأس خليجي 26 هو أن الإعلام الكويتي والخليجي كانا حاضرين بقوة في نقل هذا الحدث الرياضي المثير في رأيي أنهما أحد أسباب نجاح هذه البطولة في نسختها السادسة والعشرين؛ فقد استطاع هذا الإعلام أن يجذب المشاهدين وعاشقي كرة القدم كالمغناطيس عبر إجبارهم على المكوث أمام شاشات القنوات الفضائية لمشاهدة مباريات البطولة، ومتابعة البرامج الخاصة بالتحليلات الرياضية في هذا السياق لا يسعنا إلا أن نُحيَي هذا الإعلام الذي أضفى أبعاداً جمالية على هذه البطولة وأعاد الروح إليها بعد أن انطفأ وهجها في السنوات الأخيرة وتراجع الاهتمام بها إعلامياً.
أما الجميل في هذه البطولة؛ فهو أن الجهة المنظمة لها استطاعت أن تحول هذا الحدث الرياضي الخليجي الكبير إلى مهرجان وملتقى اجتماعي وثقافي لأبناء الخليج؛ فبات سوق المباركية الشعبي -وهو أحد أسواق الكويت التراثية- قبلة لكل الخليجيين، ومسرحاً مفتوحا لهم وفدوا إليه من كل حَدَبٍ وصَوْب ليعبروا بالأهازيج والأغاني عن فرحتهم بهذا الحدث الرياضي ومشاركة أشقائهم الكويتيين الفرحة في تنظيم هذه البطولة؛ بالإضافة إلى متابعتهم لمنافسات الفرق الرياضية؛ فكانت هذه الفعاليات بمثابة رسالة صادقة موجهة من الكويت إلى أشقائها الخليجيين لتمتين وشائج العلاقات والروابط الأخوية بين الأشقاء الخليجيين وزيادة اللحمة بينهم.
في الختام نقول: شكراً من الأعماق لدولة الكويت قيادة وشعبا على احتضانهم لهذه البطولة والتي أحسنوا تنظيمها وأحيوا تاريخها، وستبقى هذه البطولة خالدة في الذاكرة البحرينية والكويتية والخليجية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك