اطلالة
هالة كمال الدين
halakamal99@hotmail.com
الوحوش السوداء
التنمر، وما أدراك ما التنمر، لقد أصبح من سمات العصر، وتحول إلى وسيلة لقتل الروح واغتيال النفس.
لقد سمعنا جميعا وتابعنا تفاصيل قصة ضحية التنمر الفتاة المصرية رودينا، الطالبة بالصف الأول الثانوي، وذلك إثر إصابتها بأزمة قلبية حادة عقب تعرضها للتنمر من قبل زميلاتها في المدرسة، ووصفهن لها بالقبيحة، وبأنها ليست من مستواهن حتى تلعب معهن، وبسؤالهن كيف لها أن تتحمل شكلها، الأمر الذي أدى إلى انهيارها التام، وسقوطها على الأرض فجأة مفارقة الحياة حزنا وقهرا.
بالطبع ليست هذه الحادثة هي الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة، فهناك آلاف من ضحايا التنمر حول العالم نكاد نسمع عنها بشكل يومي، والذين يقدمون على الانتحار من جراء هذ الظاهرة، وخاصة من فئة المراهقين، ومنها على سبيل المثال انتحار طالبة في مدرسة ثانوية في ولاية نيوجيرسي الأمريكية التي تبلغ من العمر 14 عاما بعد أن تم نشر مقطع فيديو على الإنترنت لمجموعة من الفتيات يهاجمنها، وانتحار شاب أمريكي في ولاية شيكاغو عقب تعرضه لتنمر شديد على مدار أشهر من زملائه، وانتحار الكندية أماندا ميشيل تود للسبب نفسه وغيرها من الحالات المؤسفة والمدمية للقلوب.
لقد تابعت مؤخرا مسلسلا لبنانيا يتعرض لتلك القضية، ومدى تأثيرها على معنويات البعض إلى درجة قد تدفعهم إلى التخلص من حياتهم، وهو ما مرت به البطلة التي فقدت قدرتها على الإنجاب من وراء الإقدام على الانتحار، لتصل في النهاية إلى قناعة مفادها أن الانتحار قد لا يخلص صاحبه من الحياة، بل قد يبقيه حيا ميتا في كثير من الأحيان، وذلك لأن نسبة المنتحرين الذين يموتون قليلة للغاية، ومن ثم قد يعيش المنتحر بقية حياته على كرسي متحرك مثلا، ليصبح أكثر تعاسة من ذي قبل بسبب فعلته هذه.
في إحصائية صادمة اتضح أن 70% من أطفال مصر على سبيل المثال يتعرضون للتنمر ليبقى السؤال هنا: كم نسبة الأطفال والمراهقين المعرضين للموت انتحارا أو قهرا من جراء هذه الظاهرة؟
والأهم: كيف يمكن لأبنائنا اتقاء هذا الشر الآدمي القاتل؟
وما الجهات المنوطة بالتصدي لهذه الوحوش السوداء الذين يرتدون أثواب البشر؟
وليبقى الأمر المؤكد هنا هو الدور الذي يلعبه الآباء بهدف حماية أبنائهم من هؤلاء المرضى النفسانيين الذين يستمتعون بإيذاء غيرهم ويتلذذون باغتيالهم معنويا، وذلك عن طريق توعيتهم بأن الحياة لن تقف عند أحزانهم أو انكسارهم، وبأن الشر قد يكون موجودا حتى في المكان الذي يغرسون فيه الخير، وبأن عليهم أن يكملوا المسيرة، ويقاوموا هؤلاء الأشرار، ويصمدوا أمامهم، ويصنعوا من أنفسهم أناسا أقوياء وخيرين، أو يسقطوا إلى الأبد، وذلك عملا بمقولة الفيلسوف الصيني منسيوس:
«الشر موجود لتمجيد الخير، وما يمكن أن يكون شرا لشخص ما في وقت ما.. يصبح خيرا في وقت آخر.. لشخص آخر!».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك