العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

اقتدوا بنقّار الخشب وجيري

نقّار‭ ‬الخشب،‭ ‬ذلك‭ ‬الطائر‭ ‬الذي‭ ‬عرفناه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أفلام‭ ‬الرسوم‭ ‬المتحركة‭ ‬‮«‬وودي‭ ‬ودبيكر‮»‬‭. ‬دخل‭ ‬التاريخ‭ ‬عندما‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬تحدي‭ ‬وكالة‭ ‬الفضاء‭ ‬الأمريكية‭ ‬‮«‬ناسا‮»‬‭ ‬واستخدم‭ ‬منقاره‭ ‬وأشبع‭ ‬المكوك‭ ‬نقراً‭ ‬حتى‭ ‬أحدث‭ ‬فيه‭ ‬150‭ ‬ثقبا‭ ‬عطلته‭. ‬وها‭ ‬هو‭ ‬نقار‭ ‬الخشب‭ ‬يعطل‭ ‬ويفرمل‭ ‬أحدث‭ ‬ما‭ ‬أنتجته‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬الفضاء،‭ ‬ونحن‭ ‬مازلنا‭ ‬نتجادل‭ ‬حول‭ ‬أيهما‭ ‬أروع‭: ‬المسلسلات‭ ‬التركية‭ ‬أم‭ ‬المكسيكية؟‭  ‬وما‭ ‬إن‭ ‬يدخل‭ ‬علينا‭ ‬رجب‭ ‬ثم‭ ‬يقترب‭ ‬شعبان‭ ‬من‭ ‬نهايته‭ ‬حتى‭ ‬نحس‭ ‬بالعجز‭ ‬لأننا‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬متى‭ ‬يبدأ‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬الفضيل،‭ ‬ففي‭ ‬نهاية‭ ‬شعبان‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬يقول‭ ‬مسلمو‭ ‬إندونيسيا‭: ‬رأينا‭ ‬الهلال‭.. ‬فيرد‭ ‬عليهم‭ ‬أهل‭ ‬حلايب‭: ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬زحل‭. ‬علماؤنا‭ ‬في‭ ‬مراصدهم‭ ‬يقولون‭ ‬لنا‭:  ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نحدد‭ ‬لكم‭ ‬مطالع‭ ‬الشهور‭ ‬لما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬القرن‭ ‬مسترشدين‭ ‬بقوله‭ ‬تعالى‭:  ‬‮«‬والقمر‭ ‬قدّرناه‭ ‬منازل‭ ‬حتى‭ ‬عاد‭ ‬كالعرجون‭ ‬القديم،‭ ‬لا‭ ‬الشمس‭ ‬ينبغي‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تدرك‭ ‬القمر‭ ‬ولا‭ ‬الليل‭ ‬سابقٌ‭ ‬النهار‭ ‬وكل‭ ‬في‭ ‬فلك‭ ‬يسبحون‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬ينتهي‭ ‬بنا‭ ‬الأمر‭ ‬وكأنما‭ ‬هناك‭ ‬هلال‭ ‬خاص‭ ‬بالمغرب‭ ‬العربي،‭ ‬وآخر‭ ‬خاص‭ ‬بحوض‭ ‬النيل‭ ‬وثالث‭ ‬خاص‭ ‬بمسلمي‭ ‬آسيا‭ ‬تظهر‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬مختلفة،‭ ‬والسبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬رؤية‭ ‬الهلال‭ ‬أضحت‭ ‬مسألة‭ ‬سياسية‭ ‬بحيث‭ ‬أصبح‭ ‬هناك‭ ‬هلال‭ ‬خاص‭ ‬بكل‭ ‬مجموعة‭ ‬متفقة‭ ‬سياسياً،‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬التوافق‭ ‬بينها‭ ‬لا‭ ‬يستمر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سنتين،‭ ‬فإنه‭ ‬يحدث‭ ‬أن‭ ‬تتخلى‭ ‬دولة‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬عن‭ ‬هلالها‭ ‬السابق‭ ‬وتبحث‭ ‬عن‭ ‬هلال‭ ‬بديل‭.‬

ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإنني‭ ‬لا‭ ‬أتعاطف‭ ‬مع‭ ‬العويل‭ ‬العربي‭ ‬حول‭ ‬امتلاك‭ ‬إسرائيل‭ ‬للأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬أو‭ ‬لمنظومة‭ ‬أقمار‭ ‬صناعية،‭ ‬فذلك‭ ‬العويل‭ ‬منطلقه‭ ‬‮«‬الحسد‮»‬‭. ‬ماذا‭ ‬تتوقعون‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬أن‭ ‬تفعل؟‭ ‬أن‭ ‬تقول‭: ‬والله‭ ‬يا‭ ‬جماعة‭ ‬معكم‭ ‬حق،‭ ‬فنحن‭ ‬جيران،‭ ‬وعليّ‭ ‬بالطلاق‭ ‬باكر‭ ‬أرمي‭ ‬جميع‭ ‬قنابلي‭ ‬الذرية‭ ‬في‭ ‬القمامة،‭ ‬وأقصف‭ ‬أقماري‭ ‬الصناعية‭ ‬بالصواريخ‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تتجسس‭ ‬عليكم‭! ‬دعونا‭ ‬نكون‭ ‬واقعيين،‭ ‬افترض‭ ‬أيها‭ ‬القارئ‭ ‬أنك‭ ‬تسكن‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬شعبي‭ ‬عادي،‭ ‬وأن‭ ‬جارك‭ ‬بنى‭ ‬بيتاً‭ ‬من‭ ‬طابقين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثة‭ ‬ولديه‭ ‬ثلاثة‭ ‬كلاب‭ ‬شرسة،‭ ‬ودخلت‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الجار‭ ‬في‭ ‬مشاحنات‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬برجه‭ ‬العالي‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يتطفل‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬بيتك‭ ‬‮«‬التعبان‮»‬،‭ ‬وكلابه‭ ‬تخيف‭ ‬عيالك‭ ‬وهم‭ ‬يتوجهون‭ ‬إلى‭ ‬المدارس‭ ‬أو‭ ‬العمل‭.‬

بإمكانك‭ ‬إزاء‭ ‬موقف‭ ‬كهذا‭ ‬أن‭ ‬تقضي‭ ‬الليل‭ ‬والنهار‭ ‬في‭ ‬الشكوى‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الجار‭ ‬المفتري،‭ ‬وأن‭ ‬تجعل‭ ‬منه‭ ‬مادة‭ ‬للنميمة‭ ‬كلما‭ ‬أتاك‭ ‬زائر،‭ ‬وبإمكانك‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬إيجابياً‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬امكانياتك‭ - ‬مثلاً‭ - ‬بأن‭ ‬تزرع‭ ‬أشجاراً‭ ‬عالية‭ ‬داخل‭ ‬بيتك‭ ‬بحيث‭ ‬تمنع‭ ‬جارك‭ ‬من‭ ‬التطفل‭ ‬عليك،‭ ‬بل‭ ‬وتلقي‭ ‬بأوراقها‭ ‬الصفراء‭ ‬داخل‭ ‬الطابق‭ ‬العلوي‭ ‬من‭ ‬بيته‭ ‬حتى‭ ‬يضطر‭ ‬إلى‭ ‬إغلاق‭ ‬تلك‭ ‬النوافذ‭. ‬وبإمكانك‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬بالناب‭ ‬وبالظفر‭ ‬لجمع‭ ‬المال‭ ‬للارتقاء‭ ‬ببيتك‭ ‬عدة‭ ‬طوابق‭ ‬حتى‭ ‬تمنع‭ ‬عن‭ ‬جارك‭ ‬الشمس‭ ‬والأوكسجين،‭ ‬ومقابل‭ ‬كلابه‭ ‬الثلاثة‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تربي‭ ‬الفئران‭ ‬بكميات‭ ‬تجارية‭ ‬وتحفر‭ ‬لها‭ ‬أنفاقاً‭ ‬توصلها‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬ذلك‭ ‬الجار‭ ‬لكي‭ ‬تفتك‭ ‬بالمؤن‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬وتنشر‭ ‬فيه‭ ‬الطاعون‭ ‬وداء‭ ‬الكلب،‭ ‬ثم‭ ‬تقوم‭ ‬بإبلاغ‭ ‬السلطات‭ ‬بأن‭ ‬كلابه‭ ‬سعرانة‭ ‬فيجبرونه‭ ‬على‭ ‬التخلص‭ ‬منها،‭ ‬وفي‭ ‬جميع‭ ‬الأحوال‭ ‬ليس‭ ‬وارداً‭ ‬أن‭ ‬الصلح‭ ‬بينك‭ ‬وبين‭ ‬هذا‭ ‬الجار‭ ‬سيدفعه‭ ‬إلى‭ ‬هدم‭ ‬الطوابق‭ ‬العلوية‭ ‬من‭ ‬بيته،‭ ‬وقتل‭ ‬كلابه‭ ‬إرضاء‭ ‬لخاطرك‭.‬

عجيب‭ ‬أمركم‭: ‬تقضون‭ ‬لياليكم‭ ‬في‭ ‬مشاهدة‭ ‬مسلسلات‭ ‬تلفزيونية‭ ‬كلها‭ ‬نسخة‭ ‬كربونية‭ ‬من‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬وتستمعون‭ ‬إلى‭ ‬أغنيات‭ ‬تتسم‭ ‬بقلة‭ ‬الذوق‭ ‬والحياء،‭ ‬وتتحزبون‭ ‬لأندية‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬وكأنما‭ ‬جميع‭ ‬مشاكلكم‭ ‬الأخرى‭ ‬محلولة‭. ‬تلاقي‭ ‬مصرياً‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬وتسأله‭ ‬عن‭ ‬الطريق‭ ‬المؤدي‭ ‬إلى‭ ‬شركة‭ ‬كذا‭ ‬فيرد‭ ‬عليك‭:  ‬أولاً‭ ‬أنت‭ ‬أهلاوي‭ ‬وللا‭ ‬زملكاوي؟‭... ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬أيام‭ ‬الفتنة‭ ‬الأهلية‭ ‬كان‭ ‬رجل‭ ‬المليشيا‭ ‬يوقفك‭ ‬ويسألك‭: ‬مسلم‭ ‬أم‭ ‬مسيحي؟‭.. ‬سني‭ ‬أم‭ ‬شيعي‭ ‬أم‭ ‬درزي؟‭.. ‬ماروني‭ ‬أم‭ ‬كاثوليكي‭ ‬أم‭ ‬بروتستانتي‭ ‬أم‭ ‬انجيلكاني‭ ‬أم‭ ‬مشيخاني؟‭ ‬فإذا‭ ‬وجد‭ ‬المليشياوي‭ ‬أنك‭ ‬متفق‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬الطائفة،‭ ‬يبدأ‭ ‬بسؤالك‭ ‬عن‭ ‬‮«‬انتمائك‮»‬‭ ‬الرياضي،‭ ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬سامح‭ ‬المليشياوي‭ ‬المسيحي‭ ‬فريسته‭ ‬المسلم،‭ ‬والمليشياوي‭ ‬المسلم‭ ‬فريسته‭ ‬النصراني،‭ ‬بسبب‭ ‬‮«‬التوافق‭ ‬الكروي‮»‬،‭ ‬ويا‭ ‬ويل‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يتفق‭ ‬مع‭ ‬المليشياوي‭ ‬في‭ ‬الهوية‭ ‬الكروية‭! ‬وفي‭ ‬سودان‭ ‬اليوم‭ ‬ستتعرض‭ ‬للقتل‭ ‬أو‭ ‬الأذى‭ ‬الجسيم‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬سوداني‭ ‬آخر‭ ‬فقط‭ ‬لأنك‭ ‬‮«‬سوداني‮»‬‭.‬

استحوا‭ ‬على‭ ‬وجوهكم‭ ‬وتعلموا‭ ‬من‭ ‬النقار‭ ‬وجيري‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا