العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

21 سنة في أخبار الخليج (1)

حاولت‭ ‬كعادتي‭ ‬كل‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬التنقيب‭ ‬عن‭ ‬مقالاتي‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬الى‭ ‬العصر‭ ‬الحجري‭ ‬الوسيط،‭ ‬أي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬كتبتها‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الكمبيوتر،‭ ‬وفتحت‭ ‬مجددا‭ ‬أرتالا‭ ‬من‭ ‬صناديق‭ ‬الكرتون‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬آلاف‭ ‬القصاصات،‭ ‬فكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬أن‭ ‬أصبت‭ ‬بالسعال‭ ‬الديكي،‭ ‬وهو‭ ‬مرض‭ ‬خلصتني‭ ‬منه‭ ‬أمي‭ ‬في‭ ‬طفولتي‭ ‬ببضع‭ ‬رشفات‭ ‬من‭ ‬لبن‭ ‬أتان‭ (‬حمارة‭) ‬جارنا،‭ ‬وفعلت‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬مضض‭ ‬لأن‭ ‬أم‭ ‬المعارك‭ (‬والتي‭ ‬أناديها‭ ‬في‭ ‬وجهها‭ ‬بـ«أم‭ ‬العيال‮»‬‭)‬،‭ ‬قالت‭ ‬إن‭ ‬تلك‭ ‬الصناديق‭ ‬صارت‭ ‬مساكن‭ ‬للحشرات‭ ‬والهوام‭ ‬وطالبتني‭ ‬مرارا‭ ‬بالتخلص‭ ‬منها‭.‬

ولم‭ ‬يكن‭ ‬ممكنا‭ ‬أن‭ ‬أواصل‭ ‬التنقيب‭ ‬عن‭ ‬المقالات‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الصناديق‭ ‬الكرتونية،‭ ‬رأفة‭ ‬بجيوبي‭ ‬الأنفية،‭ ‬فقررت‭ ‬الاستعانة‭ ‬بصديق،‭ ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬صديق‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬غوغل‭ ‬في‭ ‬ظرف‭ ‬كهذا‭ ‬ومهمة‭ ‬كهذه؟‭ ‬أعطيت‭ ‬إسمي‭ ‬للسيد‭ ‬غوغل‭ ‬ففتح‭ ‬لي‭ ‬نحو‭ ‬نصف‭ ‬مليون‭ ‬باب،‭ ‬ثم‭ ‬أعطيته‭ ‬اسم‭ ‬الدلع‭ ‬الذي‭ ‬فبركته‭ ‬لنفسي‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬متأخرة‭ (‬أبو‭ ‬الجعافر‭) ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حز‭ ‬في‭ ‬نفسي‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أحظ‭ ‬بأي‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬الدلع‭ ‬في‭ ‬طفولتي‭ ‬وصباي،‭ ‬ولك‭ ‬أن‭ ‬تتخيل‭ ‬مقدار‭ ‬سعادتي‭ ‬عندما‭ ‬اكتشفت‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬سوى‭ ‬ابو‭ ‬الجعافر‭ ‬واحد‭ ‬على‭ ‬الإنترنت،‭ ‬هو‭ ‬شخصي‭ ‬في‭ ‬قرابة‭ ‬400‭ ‬ألف‭ ‬موقع،‭ ‬بينما‭ ‬تقاسم‭ ‬كثيرون‭ ‬نصف‭ ‬المليون‭ ‬موقع‭ ‬التي‭ ‬ورد‭ ‬فيها‭ ‬اسم‭ ‬جعفر‭ ‬عباس‭ (‬أحدهما‭ ‬مطرب‭).‬

ولفت‭ ‬انتباهي‭ ‬أمر‭ ‬عجيب،‭ ‬فمن‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬عشرة‭ ‬مقالات‭ ‬بحثت‭ ‬عنها،‭ ‬وجدت‭ ‬أن‭ ‬نحو‭ ‬خمسة‭ ‬منها‭ ‬تأتي‭ ‬تحت‭ ‬لافتة‭ ‬‮«‬أخبار‭ ‬الخليج‮»‬،‭ ‬واكتشفت‭ ‬أن‭ ‬صحفا‭ ‬الكترونية‭ ‬سودانية‭ ‬هي‭ ‬النيلين‭ ‬والراكوبة‭ ‬وسودان‭ ‬نايل‭ ‬ظلت‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬تنقل‭ ‬يوميا‭ ‬مقالاتي‭ ‬عن‭ ‬أخبار‭ ‬الخليج،‭ ‬ولم‭ ‬أعتبر‭ ‬ذلك‭ ‬قرصنة،‭ ‬لأن‭ ‬تلك‭ ‬الصحف‭ ‬تتمتع‭ ‬بمهنية‭ ‬وجماهيرية‭ ‬عالية‭ ‬لا‭ ‬تحلم‭ ‬بها‭ ‬صحف‭ ‬السودان‭ ‬الورقية،‭ ‬وياما‭ ‬لجأت‭ ‬اليها‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬أخبار‭ ‬بلادي‭ ‬أو‭ ‬أفكار‭ ‬وموضوعات‭ ‬لمقالاتي،‭ ‬يعني‭ ‬لطشة‭ ‬بلطشة‭ ‬وحلال‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭.‬

ورود‭ ‬اسمي‭ ‬في‭ ‬الإنترنت‭ ‬مقرونا‭ ‬بهذه‭ ‬الصحيفة،‭ ‬جعلني‭ ‬أتساءل‭: ‬كيف‭ ‬حدث‭ ‬هذا‭ ‬وقد‭ ‬كتبت‭ ‬آلاف‭ ‬المقالات‭ ‬في‭ ‬صحف‭ ‬قطرية‭ ‬وسعودية‭ ‬وسودانية‭ ‬ولندنية؟‭ ‬وكنت‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬قد‭ ‬اتصلت‭ ‬بالصديق‭ ‬موسى‭ ‬أحمد‭ ‬العضو‭ ‬القيادي‭ ‬في‭ ‬‮«‬حركة‭ ‬تحرير‭ ‬أخبار‭ ‬الخليج‮»‬،‭ ‬وطلبت‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يحاول‭ ‬الاستعانة‭ ‬بأرشيف‭ ‬الصحيفة‭ ‬ليعرف‭ ‬متى‭ ‬بالضبط‭ ‬بدأت‭ ‬كتابة‭ ‬‮«‬زاوية‭ ‬غائمة‮»‬‭ ‬فيها،‭ ‬فغاب‭ ‬يوما‭ ‬وبعض‭ ‬يوم‭ ‬وعاد‭ ‬وأبلغني‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2009،‭ ‬فقلت‭ ‬له‭: ‬أخطأ‭ ‬موسى‭ ‬وأصاب‭ ‬غوغل،‭ ‬لأنه‭ ‬يورد‭ ‬لي‭ ‬مقالات‭ ‬تحت‭ ‬راية‭ ‬أخبار‭ ‬الخليج‭ ‬لسنوات‭ ‬تسبق‭ ‬عام‭ ‬2009،‭ ‬وناشدته‭ ‬أن‭ ‬يبذل‭ ‬جهدا‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التنقيب،‭ ‬مطمئنا‭ ‬إياه‭ ‬بأنني‭ ‬لا‭ ‬اعتزم‭ ‬المطالبة‭ ‬بمكافأة‭ ‬نهاية‭ ‬الخدمة‭ (‬يتم‭ ‬احتساب‭ ‬هذه‭ ‬المكافأة‭ ‬عادة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج،‭ ‬بواقع‭ ‬راتب‭ ‬شهر‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬سنوات‭ ‬الخدمة‭ ‬الخمس‭ ‬الأوائل،‭ ‬وراتب‭ ‬شهر‭ ‬ونصف‭ ‬الشهر‭ ‬عما‭ ‬زاد‭ ‬على‭ ‬السنوات‭ ‬الخمس‭).‬

وصدق‭ ‬حدسي،‭ ‬بأن‭ ‬موسى‭ ‬كان‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬طمأنة‭ ‬بأن‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمال،‭ ‬فقد‭ ‬عاد‭ ‬إلي‭ ‬سريعا‭ ‬ليفيدني‭ ‬بأن‭ ‬أول‭ ‬مقال‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬أخبار‭ ‬الخليج‭ ‬كان‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬أوراق‭ ‬اعتمادي‮»‬‭ ‬في‭ ‬21‭ ‬سبتمبر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2002،‭ ‬فجلست‭ ‬فاغرا‭ ‬فمي‭: ‬ما‭ ‬حكاية‭ ‬شهر‭ ‬سبتمبر‭ ‬معي،‭ ‬فهو‭ ‬الشهر‭ ‬الذي‭ ‬ولدنا‭ ‬فيه‭ ‬أنا‭ ‬وزوجتي‭ ‬وهو‭ ‬الشهر‭ ‬الذي‭ ‬تزوجنا‭ ‬فيه،‭ ‬وهو‭ ‬الشهر‭ ‬الذي‭ ‬دخل‭ ‬فيه‭ ‬أكبر‭ ‬أبنائي‭ ‬ومن‭ ‬بعده‭ ‬كبرى‭ ‬بناتي‭ ‬الحياة‭ ‬العملية‭ (‬المحبط‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬يوم‭ ‬مولدي‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬هو‭ ‬نفس‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬غزا‭ ‬فيه‭ ‬هتلر‭ ‬بولندا‭ ‬فأشعل‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬قضت‭ ‬على‭ ‬عشرات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬غزا‭ ‬فيه‭ ‬مزمجر‭ ‬الجزافي‭ ‬ليبيا‭ ‬واحتلها‭ ‬ل42‭ ‬سنة‭).‬

ولكن‭ ‬ما‭ ‬أدهشني‭ ‬حقا‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬قط‭ ‬طوال‭ ‬مسيرتي‭ ‬الصحفية‭ ‬أن‭ ‬عملت‭ ‬محررا‭ ‬متفرغا‭ ‬أو‭ ‬كاتبا‭ ‬‮«‬متعاونا‮»‬‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬المدة‭ ‬التي‭ ‬قضيتها‭ ‬مع‭ ‬أخبار‭ ‬الخليج،‭ ‬وهأنذا‭ ‬ما‭ ‬زلت‭ ‬حاضرا‭ ‬فيها‭ ‬وهي‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬قلبي‭ ‬منذ‭ ‬21‭ ‬سنة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا