العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

كل ببطء وسِرْ ببطء

قبل‭ ‬سنوات‭ ‬وسنوات‭ ‬كتبت‭ ‬في‭ ‬‮«‬أخبار‭ ‬الخليج‮»‬‭ ‬هذه‭ ‬عن‭ ‬الإيطالي‭ ‬لوكاس‭ ‬دي‭ ‬غيسو،‭ ‬الذي‭ ‬استفزه‭ ‬افتتاح‭ ‬مطعم‭ ‬ماكدونالدز‭ ‬للوجبات‭ ‬السريعة‭ ‬في‭ ‬بلدته‭ ‬ألتمورا‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إيطاليا،‭ ‬ولا‭ ‬بأس‭ ‬من‭ ‬إيراد‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬حكايته‭ ‬تمهيدا‭ ‬لسرد‭ ‬واقعة‭ ‬أخرى‭ ‬مسرحها‭ ‬بريطانيا‭. ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬غيسو‭ ‬الطلياني‭ ‬هذا‭ ‬استأجر‭ ‬محلا‭ ‬قريبا‭ ‬من‭ ‬محل‭ ‬ماكدونالدز‭ ‬ذاك‭ ‬وأعلن‭ ‬أنه‭ ‬أول‭ ‬مطعم‭ ‬للأكل‭ ‬البطيء‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬وربما‭ ‬العالم‭. ‬وبحسب‭ ‬النظام‭ ‬الذي‭ ‬طبقه‭ ‬وعرضه‭ ‬على‭ ‬الزبائن‭: ‬تدخل‭ ‬المطعم‭ ‬وعليك‭ ‬اختيار‭ ‬العجينة‭ ‬التي‭ ‬سيصنع‭ ‬منها‭ ‬الخبز‭ ‬ثم‭ ‬اختيار‭ ‬مكونات‭ ‬الطبق‭ ‬الذي‭ ‬تريد‭ ‬تناوله‭. ‬ثم‭ ‬تتولى‭ ‬الطبخ‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يوضع‭ ‬أمامك‭ ‬تل‭ ‬من‭ ‬الخضروات‭ ‬والزيتون‭ ‬والبخارت‭ ‬والصحف‭. ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تجيد‭ ‬الطبخ‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يساعدك‭ ‬على‭ ‬إعداد‭ ‬الطعام‭ ‬بالمواصفات‭ ‬التي‭ ‬تريد‭. ‬باختصار‭ ‬فكرة‭ ‬مطعم‭ ‬لوكاس‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬يستمتع‭ ‬الإنسان‭ ‬بالأكل‭ ‬على‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬مهله‭. ‬وبعد‭ ‬سنة‭ ‬واحدة‭ ‬كان‭ ‬مطعم‭ ‬ماكدونالدز‭ ‬قد‭ ‬أغلق‭ ‬أبوابه‭ ‬فاستولى‭ ‬عليه‭ ‬لوكاس‭ ‬لتوسعة‭ ‬مطعمه‭ ‬للأكل‭ ‬البطيء،‭ ‬وصار‭ ‬حجز‭ ‬مقعد‭ ‬فيه‭ ‬يتطلب‭ ‬الانتظار‭ ‬لأيام‭.‬

من‭ ‬المقرر‭ ‬أن‭ ‬تشهد‭ ‬العاصمة‭ ‬البريطانية‭ ‬لندن‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬يونيو‭ ‬المقبل‭ ‬حملة‭ ‬بعنوان‭ ‬قو‭ ‬سلو go  slow أي‭ ‬سر‭ ‬ببطء‭. ‬والحملة‭ ‬من‭ ‬بنات‭ ‬أفكار‭ ‬السيدة‭ ‬‮«‬تسا‭ ‬وات‮»‬‭ ‬التي‭ ‬أزعجها‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬لندن‭ ‬يكادون‭ ‬يفترسون‭ ‬بعضهم‭ ‬بعضا‭ ‬وهم‭ ‬يهرولون‭ ‬في‭ ‬عجلة،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬الغرض‭ ‬من‭ ‬وجودهم‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬تمضية‭ ‬الوقت‭ ‬وإضاعته‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالفسحة‭. ‬عدوى‭ ‬الهرولة‭ ‬والعجلة‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬حتى‭ ‬مدننا‭ ‬التعبانة‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬يضع‭ ‬من‭ ‬خططوها‭ ‬حسابا‭ ‬للمشاة‭.. ‬يسير‭ ‬الواحد‭ ‬منا‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬ضيق‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬ويكون‭ ‬أمامه‭ ‬عجوز‭ ‬يمشي‭ ‬خطوتين‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬وأخرى‭ ‬إلى‭ ‬الوراء،‭ ‬فيكاد‭ ‬الواحد‭ ‬منا‭ ‬أن‭ ‬يلكزه‭ ‬بالكوع‭ ‬حتى‭ ‬يزيحه‭ ‬من‭ ‬الطريق‭. ‬

تشهد‭ ‬مدينة‭ ‬لندن‭ ‬سباقا‭ ‬سنويا‭ ‬للمسافات‭ ‬الطويلة‭ (‬الماراثون‭) ‬يشارك‭ ‬فيه‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الأعمار‭ ‬وقبل‭ ‬أعوام‭ ‬سجل‭ ‬لويد‭ ‬سكوت‭ ‬رقما‭ ‬قياسيا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السباق‭ ‬حيث‭ ‬قطع‭ ‬المسافة‭ ‬المقررة‭ ‬في‭ ‬خمسة‭ ‬أيام‭ ‬و8‭ ‬ساعات‭ ‬و30‭ ‬دقيقة‭.. ‬وهو‭ ‬اليوم‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الذي‭ ‬فازوا‭ ‬بالمراكز‭ ‬الأولى‭ ‬لهذا‭ ‬السباق‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنواته‭ ‬الطويلة‭.. ‬فالغرض‭ ‬من‭ ‬السباق‭ ‬خيري‭ ‬أي‭ ‬جمع‭ ‬المال‭ ‬لمشاريع‭ ‬إنسانية‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬الآلاف‭ ‬يشاركون‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬منطلقات‭ ‬‮«‬خيرية‮»‬‭ ‬فعلام‭ ‬العجلة‭ ‬ووجع‭ ‬القلب؟‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تجري‭ ‬لكيلومتر‭ ‬واحد‭ ‬وتجلس‭ ‬وتتناول‭ ‬سندويتشا‭ ‬وكوبا‭ ‬من‭ ‬العصير‭ ‬وتقرأ‭ ‬صحيفتك‭ ‬المفضلة‭ ‬ثم‭ ‬تواصل‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬المنوال‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬الشوط‭.‬

شخصيا‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬هوس‭ ‬السرعة‭.. ‬ليس‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬السيارات‭ ‬بل‭ ‬عند‭ ‬السير‭ ‬على‭ ‬أقدامي‭.. ‬وطالما‭ ‬أنا‭ ‬يقظان‭ ‬تبقى‭ ‬عيني‭ ‬على‭ ‬الساعة‭ ‬وتستطيع‭ ‬أن‭ ‬تتركني‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬مظلمة‭ ‬مدة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬وتسألني‭ ‬عن‭ ‬الوقت‭ ‬فأعطيك‭ ‬إجابة‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬فيها‭ ‬نسبة‭ ‬الخطأ‭ ‬على‭ ‬خمس‭ ‬دقائق‭ ‬بالزيادة‭ ‬أو‭ ‬النقصان‭... ‬واعترف‭ ‬بأن‭ ‬هوسي‭ ‬بالوقت‭ ‬والمواعيد‭ ‬أفسد‭ ‬عليّ‭ ‬حياتي،‭ ‬فما‭ ‬أعطيت‭ ‬أحدا‭ ‬موعدا‭ ‬إلا‭ ‬وكرهته‭ ‬‮«‬مقدما‮»‬‭ ‬لأنه‭ ‬في‭ ‬غالب‭ ‬الأحوال‭ ‬سيأتي‭ ‬متأخرا‭ ‬ولو‭ ‬لخمس‭ ‬دقائق‭.. ‬ولو‭ ‬تأخر‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬دقيقة‭ ‬فإنني‭ ‬أتناول‭ ‬عقارا‭ ‬مهدئا‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬أعتدي‭ ‬عليه‭ ‬جسمانيا‭ ‬قبل‭ ‬إبلاغه‭ ‬بـ«كنسلة‮»‬‭ ‬الموعد‭.‬

لحين‭ ‬من‭ ‬الدهر‭ ‬كنت‭ ‬موقوفا‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الخرطوم،‭ ‬وكنت‭ ‬أخرج‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬كل‭ ‬صباح‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬هدى‭ ‬وتراني‭ ‬مندفعا‭ ‬في‭ ‬السير‭ ‬فتحسب‭ ‬أنني‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬إطلاق‭ ‬مركبة‭ ‬الفضاء‭ ‬أبوللو‭ ‬حيث‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬محسوب‭ ‬بكسور‭ ‬الثانية‭.. ‬وكتبت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عن‭ ‬كيف‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬وصلت‭ ‬مطار‭ ‬جدة‭ ‬قادما‭ ‬من‭ ‬الدوحة‭ ‬مع‭ ‬زوجتي‭ ‬وكيف‭ ‬أنني‭ ‬غادرت‭ ‬الطائرة‭ ‬وفرغت‭ ‬من‭ ‬إجراءات‭ ‬الجوازات‭ ‬والجمارك‭ ‬ثم‭ ‬تذكرت‭ ‬أنني‭ ‬‮«‬متزوج‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬رحلة‭ ‬العودة‭ ‬تركت‭ ‬جواز‭ ‬سفري‭ ‬ومحفظة‭ ‬نقودي‭ ‬وعلبة‭ ‬بها‭ ‬مصاغ‭ ‬ذهبي‭ ‬لزوجتي‭ ‬على‭ ‬سير‭ ‬جهاز‭ ‬الأشعة‭ ‬وصعدت‭ ‬إلى‭ ‬الطائرة‭ (‬وزوجتي‭ ‬ممسكة‭ ‬بيدي‭).. ‬وما‭ ‬زلت‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬داء‭ ‬الهرولة‭ ‬وعزائي‭ ‬أنني‭ ‬أمارس‭ ‬التأني‭ ‬الشديد‭ ‬عند‭ ‬قيادة‭ ‬السيارة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا