العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

شيء مؤسف ومُقْرِف

مازالت‭ ‬فرنسا‭ ‬تحاول‭ ‬نسيان‭ ‬صدمة‭ ‬مثول‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬العائلات‭ ‬تقيم‭ ‬في‭ ‬مبنى‭ ‬واحد‭ ‬أمام‭ ‬القضاء‭ ‬بتهمة‭ ‬ممارسة‭ ‬الدعارة‭. ‬والدعارة‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭ ‬ليست‭ ‬جريمة‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭. ‬وبالمناسبة‭ ‬هناك‭ ‬قانون‭ ‬عجيب‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬بشأن‭ ‬الدعارة،‭ ‬فليس‭ ‬ممنوعا‭ ‬ان‭ ‬تعيش‭ ‬امرأة‭ ‬علنا‭ ‬من‭ ‬بيع‭ ‬جسدها،‭ ‬ولكنها‭ ‬تعتبر‭ ‬مجرمة‭ ‬وخطرة‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬إذا‭ ‬حاولت‭ ‬استدراج‭ ‬الزبائن‭! ‬طيب‭ ‬يا‭ ‬أهل‭ ‬الحضارة‭ ‬والديمقراطية‭ ‬كيف‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬حقها‭ ‬ممارسة‭ ‬الدعارة‭ ‬والتكسب‭ ‬منها‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تعرض‭ ‬بضاعتها‭ ‬على‭ ‬الزبون؟‭ ‬يقول‭ ‬المثل‭ ‬العربي‭ ‬عن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭: ‬‮«‬عريان‭ ‬ويغطي‭ ‬ذقنه‮»‬‭!‬

نعود‭ ‬الى‭ ‬حكاية‭ ‬تلك‭ ‬المجموعة‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬للاعتقال‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬تمارس‭ ‬دعارة،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬الصنف‭ ‬الذي‭ ‬يتقزز‭ ‬منه‭ ‬حتى‭ ‬عتاة‭ ‬المجرمين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يأبهون‭ ‬بسلامة‭ ‬وشرف‭ ‬الآخرين‭. ‬فقد‭ ‬اكتشفت‭ ‬الشرطة‭ ‬الفرنسية‭ ‬ان‭ ‬تلك‭ ‬العائلات‭ ‬كانت‭ ‬تتاجر‭ ‬ببناتها‭ ‬وأولادها‭ ‬وتبيعهم‭ ‬لتجار‭ ‬اللذة،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الذين‭ ‬يتعرضون‭ ‬لهتك‭ ‬العرض‭ ‬برضا‭ ‬الوالدين‭ ‬أطفال‭ ‬في‭ ‬الثالثة‭ ‬من‭ ‬العمر‭. ‬تخيل‭ ‬أن‭ ‬أمّا‭ ‬أو‭ ‬أبا‭ ‬يعرض‭ ‬على‭ ‬رجل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬ان‭ ‬يزني‭ ‬بطفلته‭ ‬مقابل‭ ‬كذا‭ ‬يورو،‭ ‬بل‭ ‬ويوزع‭ ‬‮«‬دعايات‮»‬‭ ‬سرّا‭ ‬عن‭ ‬عياله‭ ‬كي‭ ‬يستقطب‭ ‬الزبائن‭ ‬لهم‭.‬

لا‭ ‬أستطيع‭ ‬الاسترسال‭ ‬حول‭ ‬تفاصيل‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬أصيبكم‭ ‬بالغثيان‭! ‬ولكنني‭ ‬سأحكي‭ ‬لكم‭ ‬حكاية‭ ‬أخرى‭ ‬ستصيبكم‭ ‬بالقرف‭ ‬والغضب،‭ ‬وتتعلق‭ ‬بشخص‭ ‬اسمه‭ ‬‮«‬راء‮»‬‭ ‬يعمل‭ ‬بائعا‭ ‬متجولا‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬عربية،‭ ‬ولديه‭ ‬بنتان‭: ‬سوزان‭ ‬وعمرها‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬ومروة‭ ‬وعمرها‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬كانت‭ ‬البنتان‭ ‬تعيشان‭ ‬مع‭ ‬والدهما‭ ‬‮«‬راء‮»‬‭ ‬هذا‭ ‬بعد‭ ‬انفصاله‭ ‬عن‭ ‬زوجته‭ ‬وإصراره‭ ‬على‭ ‬حضانتهما،‭ ‬ولكنه‭ ‬عانى‭ ‬من‭ ‬توفير‭ ‬القوت‭ ‬لهما‭ ‬فقرر‭ ‬اللجوء‭ ‬الى‭ ‬حل‭ ‬عجيب‭: ‬البنتان‭ ‬تتناولان‭ ‬كميات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬إحداهن،‭ ‬وهكذا‭ ‬شرع‭ ‬في‭ ‬تعريض‭ ‬مروة‭ ‬بنت‭ ‬الثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬لشتى‭ ‬صنوف‭ ‬التعذيب‭.. ‬ضرب‭ ‬مبرح‭ ‬وتنكيل‭ ‬متواصل‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬ان‭ ‬تموت‭ ‬ببطء‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬دليل‭ ‬واضح‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬ماتت‭ ‬نتيجة‭ ‬عمل‭ ‬عنيف،‭ ‬ولكن‭ ‬مروة‭ ‬لم‭ ‬تمت،‭ ‬وهنا‭ ‬قرر‭ ‬رجب‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬بنته‭ ‬هذه‭ ‬بالبيع،‭ ‬ولجأ‭ ‬إلى‭ ‬صديق‭ ‬له‭ ‬يدعى‭ ‬موسى‭ ‬وطلب‭ ‬منه‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬شخص‭ ‬يشتري‭ ‬مروة‭ ‬نظير‭ ‬ثلاثين‭ ‬ألف‭ ‬جنيه‭ (‬أقل‭ ‬من‭ ‬ثمن‭ ‬عجل‭).. ‬للحكاية‭ ‬نهاية‭ ‬سعيدة‭ ‬نوعا‭ ‬ما،‭ ‬فقد‭ ‬اكتشفت‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬أمر‭ ‬الصفقة‭ ‬وألقت‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬رجب،‭ ‬ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬متاعب‭ ‬مالية‭ ‬لعدة‭ ‬سنوات‭ ‬لأن‭ ‬إدارة‭ ‬السجون‭ ‬ستتكفل‭ ‬بإطعامه،‭ ‬وعادت‭ ‬مروة‭ ‬وأختها‭ ‬سوزان‭ ‬إلى‭ ‬حضن‭ ‬أمهما‭ ‬معززتين‭ ‬مكرمتين،‭ ‬وقد‭ ‬تكفل‭ ‬فاعل‭ ‬خير‭ ‬ذو‭ ‬مروءة‭ ‬بكفالة‭ ‬الأم‭ ‬وبنتيها‭.‬

أي‭ ‬انحطاط‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬إنسانا‭ ‬يبيع‭ ‬بنته‭ ‬أو‭ ‬ولده‭ ‬في‭ ‬مزاد‭ ‬ويحدد‭ ‬السعر‭ ‬الأدنى‭ ‬للصفقة،‭ ‬أو‭ ‬يعمل‭ ‬قوّادا‭ ‬لأطفاله؟‭ ‬هل‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬بشر‭ ‬سويّ؟‭ ‬الواحد‭ ‬منا‭ ‬يهبّ‭ ‬من‭ ‬فراشه‭ ‬كالثور‭ ‬الهائج‭ ‬اذا‭ ‬سمع‭ ‬صوتا‭ ‬غير‭ ‬طبيعي‭ ‬صادرا‭ ‬من‭ ‬غرفة‭ ‬أحد‭ ‬عياله‭ ‬خشية‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬مكروها‭ ‬قد‭ ‬حل‭ ‬به،‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬آباء‭ ‬وأمهات‭ ‬يعرضون‭ ‬البنات‭ ‬والأولاد‭ ‬للتحرشات‭ ‬الجنسية‭ ‬وشتى‭ ‬أنوع‭ ‬المخاطر‭ ‬بسبب‭ ‬الغفلة‭ ‬أو‭ ‬الغباء‭.. ‬وهناك‭ ‬آباء‭ ‬وأمهات‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬اختلال‭ ‬القيم‭ ‬ويسمحون‭ ‬لعيالهم‭ ‬بالمشاركة‭ ‬في‭ ‬أنشطة‭ ‬ذات‭ ‬مردود‭ ‬مالي‭ ‬كبير‭ ‬وكلفة‭ ‬‮«‬أخلاقية‮»‬‭ ‬عالية‭. ‬في‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬مسلمة‭ ‬أقام‭ ‬أحد‭ ‬المحامين‭ ‬قبل‭ ‬أعوام‭ ‬دعوى‭ ‬على‭ ‬مطربة‭ ‬معروفة‭ ‬شخلوعة،‭ ‬رأسمالها‭ ‬الأساسي‭ ‬جسدها‭ ‬الذي‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬خباياه،‭ ‬وكانت‭ ‬الطامة‭ ‬الكبرى‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬أنها‭ ‬استعانت‭ ‬في‭ ‬شريط‭ ‬مصور‭ ‬ببنات‭ ‬في‭ ‬العاشرة‭ ‬او‭ ‬ما‭ ‬دون‭ ‬ذلك،‭ ‬صاحبنها‭ ‬في‭ ‬الرقص‭ ‬وكشف‭ ‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مستورا‭. ‬والعتب‭ ‬هنا‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬المطربة‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬آباء‭ ‬وأمهات‭ ‬الفتيات‭ ‬القاصرات‭ ‬الذين‭ ‬سمحوا‭ ‬لهن‭ ‬بالشخلعة‭.. ‬وعلى‭ ‬بلاطة‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬يسمح‭ ‬لابنته‭ ‬ان‭ ‬تتعرى‭ ‬باسم‭ ‬الفن‭ ‬على‭ ‬الشاشات‭ ‬يستحق‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬قواد‮»‬‭ ‬بجدارة،‭ ‬ونجح‭ ‬المحامي‭ ‬النبيل‭ ‬في‭ ‬الزج‭ ‬بالمطربة‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬ثم‭ ‬عالم‭ ‬النسيان‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا