العدد : ١٧٠٧٩ - الخميس ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٩ - الخميس ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

الثراء المفاجئ فاجع

هناك‭ ‬حكايات‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها‭ ‬عن‭ ‬مستجدي‭ ‬النعمة‭ ‬وخاصة‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬تهبط‭ ‬عليهم‭ ‬ثروات‭ ‬مفاجئة،‭ ‬فيعمدون‭ ‬إلى‭ ‬الإنفاق‭ ‬التفاخري،‭ ‬مما‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬أحوال‭ ‬كثيرة‭ ‬إلى‭ ‬فقدانهم‭ ‬لكل‭ ‬أو‭ ‬جُل‭ ‬ما‭ ‬عندهم‭ ‬من‭ ‬مال،‭ ‬ولعل‭ ‬بعضكم‭ ‬قرأ‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الصحف‭ ‬العربية‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬الهلع‭ ‬والخوف‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬اليمني‭ ‬محمد‭ ‬صالح‭ ‬المقيم‭ ‬في‭ ‬السعودية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صار‭ ‬مليونيرا،‭ ‬بدرجة‭ ‬أنه‭ ‬قرر‭ ‬عدم‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬البنك‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭ ‬ملايينه،‭ ‬بل‭ ‬بقي‭ ‬عدة‭ ‬أيام‭ ‬وجيبه‭ ‬خال‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬لأن‭ ‬الخوف‭ ‬جعله‭ ‬يتجنب‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬البنك‭ ‬أو‭ ‬جهاز‭ ‬الصرف‭ ‬الآلي،‭ ‬وسبب‭ ‬خوفه‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الملايين‭ ‬هبطت‭ ‬عليه‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يبذل‭ ‬أي‭ ‬مجهود،‭ ‬فهو‭ ‬لم‭ ‬يرث‭ ‬الملايين،‭ ‬وليست‭ ‬لديه‭ ‬تجارة،‭ ‬ودخله‭ ‬محدود‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬راتب‭ ‬شهري‭ ‬بائس،‭ ‬وجيبه‭ ‬مثقوب‭.‬

وما‭ ‬حدث‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬البنك‭ ‬أصابته‭ ‬نوبة‭ ‬كرم‭ ‬غير‭ ‬معهودة‭ ‬في‭ ‬البنوك،‭ ‬فقرر‭ ‬رفع‭ ‬رصيد‭ ‬محمد‭ ‬صالح‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬ألف‭ ‬ريال‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬33‭ ‬مليون‭ ‬ريال،‭ ‬فكان‭ ‬أن‭ ‬أصيب‭ ‬بالهلع‭ ‬والجزع؟‭ ‬لماذا؟‭ ‬لأنه‭ ‬رجل‭ ‬نظيف‭ ‬وشريف،‭ ‬طيب،‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬نظيفا‭ ‬وشريفا‭ ‬فعلام‭ ‬الهلع‭ ‬والجزع؟‭ ‬خاف‭ ‬محمد‭ ‬صالح‭ ‬وارتعب‭ ‬لأنه‭ ‬خشي‭ ‬أن‭ ‬ينتبه‭ ‬البنك‭ ‬إلى‭ ‬الخطأ‭ ‬فيُتهم‭ ‬بأنه‭ ‬حرامي‭. ‬وبيني‭ ‬وبينكم‭ ‬البنوك‭ ‬‮«‬تسويها‮»‬‭ ‬لتتستر‭ ‬على‭ ‬أخطائها،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬مستبعدا‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬البنك‭ ‬أن‭ ‬أبو‭ ‬يمن‭ ‬تلاعب‭ ‬كمبيوتريا‭ ‬حتى‭ ‬نقل‭ ‬تلك‭ ‬الملايين‭ ‬إلى‭ ‬حسابه،‭ ‬ففي‭ ‬سبيل‭ ‬طمأنة‭ ‬العملاء‭ ‬يفتش‭ ‬البنك‭ ‬عن‭ ‬ضحية،‭ ‬لأن‭ ‬الملايين‭ ‬التي‭ ‬أودعت‭ ‬في‭ ‬حساب‭ ‬أبو‭ ‬يمن‭ ‬لابد‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬خصما‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬عميل‭ ‬آخر‭. ‬باختصار‭ ‬لم‭ ‬يسعد‭ ‬محمد‭ ‬صالح‭ ‬بنوم‭ ‬هانئ‭ ‬وبراحة‭ ‬البال‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نفد‭ ‬ما‭ ‬معه‭ ‬من‭ ‬مال‭ ‬حلال،‭ ‬وتسلل‭ ‬على‭ ‬أطراف‭ ‬أصابعه‭ ‬الى‭ ‬جهاز‭ ‬الصرف‭ ‬الآلي‭ ‬وأدخل‭ ‬بطاقته‭ ‬لسحب‭ ‬بعض‭ ‬المال‭ ‬و‭..... ‬يا‭ ‬للسعادة‭: ‬اختفت‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬حسابه‭ ‬وعاد‭ ‬غلبانا‭ ‬فقيرا،‭ ‬ولكن‭ ‬سعيدا‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصاب‭ ‬بفيروس‭ ‬الملايين‭.‬

والأغرب‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬حكاية‭ ‬السعودي‭ ‬عيسى‭ ‬عبدالكريم‭ ‬الذي‭ ‬كادت‭ ‬روحه‭ ‬أن‭ ‬تصعد‭ ‬إلى‭ ‬بارئها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اكتشف‭ ‬انه‭ ‬يستحق‭ ‬مكانا‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬فوربس،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الأمير‭ ‬الوليد‭ ‬بن‭ ‬طلال،‭ ‬فالبنك‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬عيسى‭ ‬يتعامل‭ ‬معه‭ ‬كان‭ ‬اكثر‭ ‬سخاء‭ ‬من‭ ‬بنك‭ ‬أبو‭ ‬يمن‭ ‬سالف‭ ‬الذكر،‭ ‬لأنه‭ ‬وضع‭ ‬في‭ ‬حسابه‭ ‬ثلاثة‭ ‬مليارات‭ ‬أي‭ ‬ثلاثة‭ ‬بلايين‭ ‬ريال‭. ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬اكتشف‭ ‬عيسى‭ ‬أمر‭ ‬تلك‭ ‬الثروة‭ ‬لم‭ ‬يقرر‭ ‬الزواج‭ ‬أو‭ ‬شراء‭ ‬قصر‭ ‬مطل‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬أو‭ ‬استبدال‭ ‬سيارته‭ ‬المكعكعة‭ ‬بواحدة‭ ‬رولز‭ ‬رويس‭ ‬وأخرى‭ ‬بورش‭ ‬وثالثة‭ ‬بنتلي‭. ‬أتعرفون‭ ‬ماذا‭ ‬فعل؟‭ ‬سقط‭ ‬مغشيا‭ ‬عليه‭ ‬ودخل‭ ‬في‭ ‬غيبوبة‭ ‬وأتى‭ ‬جماعة‭ ‬الهلال‭ ‬الأحمر‭ ‬ونقلوه‭ ‬إلى‭ ‬المستشفى،‭ ‬ولم‭ ‬يسترد‭ ‬عافيته‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬راجع‭ ‬حسابه‭ ‬المصرفي‭ ‬مجددا‭ ‬واكتشف‭ ‬أن‭ ‬المليارات‭ ‬الثلاثة‭ ‬طارت‭ ‬واختفت‭.. ‬هتف‭ ‬عيسى‭: ‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬الذي‭ ‬صرف‭ ‬عني‭ ‬الأذى‭ ‬وعافاني‭.. ‬واسترد‭ ‬بشاشته‭ ‬واحتفل‭ ‬بنهاية‭ ‬كابوس‭ ‬البلايين‭ ‬بشراء‭ ‬سندويشات‭ ‬فلافل‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬أصدقائه‭.‬

لو‭ ‬كنت‭ ‬مكان‭ ‬عيسى‭ ‬وأبو‭ ‬يمن‭ ‬لرفعت‭ ‬دعوى‭ ‬على‭ ‬البنك‭ ‬الذي‭ ‬سبب‭ ‬لي‭ ‬طفرة‭ ‬مالية‭ ‬افتراضية‭ ‬كانت‭ ‬نتيجتها‭ ‬أن‭ ‬أصبت‭ ‬بأمراض‭ ‬عضوية‭ ‬ونفسية،‭ ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬كنت‭ ‬سأصطحب‭ ‬معي‭ ‬رجال‭ ‬شرطة‭ ‬وأسحب‭ ‬ملاييني‭ ‬ثم‭ ‬أتوجه‭ ‬الى‭ ‬مدير‭ ‬البنك‭ ‬وأقول‭ ‬له‭: ‬هذه‭ ‬الملايين‭ ‬فقدها‭ ‬البنك‭ ‬وعثرت‭ ‬أنا‭ ‬عليها،‭ ‬ثم‭ - ‬وبكل‭ ‬بجاحة‭ - ‬أطالب‭ ‬بنسبة‭ ‬مئوية‭ ‬منها،‭ ‬وإلا‭ ‬فالمحاكم‭ ‬بيننا‭: ‬البنك‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬زودني‭ ‬بالمستندات‭ ‬والأدلة‭ ‬التي‭ ‬تثبت‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬المبالغ‭ ‬تخصني‭. ‬بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬أنا‭ ‬لم‭ ‬أنهب‭ ‬البنك‭ ‬بقوة‭ ‬السلاح‭ ‬ولم‭ ‬أزور‭ ‬مستندات،‭ ‬وعادة‭ ‬البنوك‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬تتفنن‭ ‬في‭ ‬تجريد‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬أموالهم‭ ‬بمختلف‭ ‬الذرائع،‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬ألوي‭ ‬ذراع‭ ‬البنك‭ ‬ليمنحني‭ ‬مكافأة‭ ‬أتبرع‭ ‬بها‭ ‬لجهة‭ ‬‮«‬تستاهل‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬أفعله‭ ‬ليس‭ ‬‮«‬حراما»؟

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا