العدد : ١٧٠٧٩ - الخميس ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٩ - الخميس ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

وللجسد ذاكرة بعير

لا‭ ‬يغيب‭ ‬عن‭ ‬ذهني‭ ‬قط‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬الشاعر‭ ‬السوري‭ ‬الضخم‭ ‬محمد‭ ‬الماغوط‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬شاخ‭ ‬وأنهك‭ ‬رئتيه‭ ‬بالدخان‭ ‬وكبده‭ ‬ومعدته‭ ‬بشرب‭ ‬بنت‭ ‬الحان‭: ‬أكره‭ ‬جسدي‭ ‬إنه‭ ‬تافه‭ ‬حقير‭.. ‬لم‭ ‬أراعِ‭ ‬جسدي‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬ينتقم‭ ‬مني‭ ‬رويدا‭ ‬رويدا‭!‬

نعم،‭ ‬فالجسد‭ ‬كالناقة‭ ‬أو‭ ‬الفيل،‭ ‬له‭ ‬ذاكرة‭ ‬تختزن‭ ‬‮«‬عمايلك‭ ‬المهببة‮»‬،‭ ‬ولا‭ ‬ينسى‭ ‬من‭ ‬يغدر‭ ‬به‭ ‬ولا‭ ‬يفوت‭ ‬فرصة‭ ‬الانتقام،‭ ‬وقد‭ ‬ينتقم‭ ‬منك‭ ‬جسدك‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬مبكرة‭ ‬بأن‭ ‬يضرب‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬جزئيا،‭ ‬فتصبح‭ ‬معاقاً‭ ‬أو‭ ‬تنتقل‭ ‬إلى‭ ‬الدار‭ ‬الآخرة،‭ ‬وقد‭ ‬يمتد‭ ‬بك‭ ‬العمر‭ ‬فتواصل‭ ‬إرهاق‭ ‬جسدك‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬نقطة‭ ‬تكره‭ ‬فيها‭ ‬ذاك‭ ‬الجسد‭ ‬لأنه‭ ‬يخذلك‭ ‬ويؤلمك،‭ ‬وأعترف‭ ‬بأنني‭ ‬نجار‭ ‬بابه‭ ‬‮«‬مخلّع‮»‬‭ ‬أي‭ ‬انني‭ ‬لست‭ ‬استثناء‭ ‬من‭ ‬قاعدة‭ ‬ان‭ ‬المرء‭ ‬يطيش‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬ويستهتر‭ ‬بصحته،‭ ‬متناسيا‭ ‬ان‭ ‬الشباب‭ ‬يولي‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬غمضة‭ ‬عين‭ ‬وانتباهتها،‭ ‬وتصحو‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬وتنهض‭ ‬من‭ ‬السرير‭ ‬فيصدر‭ ‬عن‭ ‬ظهرك‭ ‬‮«‬صرير‮»‬‭ ‬وطقطقة‭ ‬تعقبها‭ ‬عاصفة‭ ‬رعدية‭ ‬تسري‭ ‬في‭ ‬أوصالك‭ ‬ومفاصلك‭ ‬فتطلق‭ ‬صرخة‭ ‬وتقع‭ ‬على‭ ‬السرير‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭.‬

قد‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬انزلاقاً‭ ‬غضروفيا‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬شرخا‭ ‬في‭ ‬فقرة‭ ‬من‭ ‬فقرات‭ ‬الظهر‭ ‬لأنك‭ ‬أسرفت‭ ‬في‭ ‬المزاح‭ ‬العنيف‭ ‬وسقطت‭ ‬أرضاً‭ ‬وأنت‭ ‬تداعب‭ ‬غريمك‭ ‬خلال‭ ‬لعبة‭ ‬ورق‭ ‬حماسية‭. ‬وإرهاق‭ ‬الجسد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬بالضرورة‭ ‬بشرب‭ ‬الخمر‭ ‬والتبغ‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬بالأكل‭ ‬والسهر‭ ‬والسفر‭ (‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬العمل‭ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬يظل‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬سفر‭ ‬شبه‭ ‬دائم‭ ‬لأمور‭ ‬حياتية‭ ‬ضرورية‭ ‬ويفوت‭ ‬عليه‭ ‬ان‭ ‬يحسب‭ ‬حساب‭ ‬جسمه‭ ‬وتكون‭ ‬النتيجة‭ ‬إصابته‭ ‬بأرق‭ ‬شبه‭ ‬مستمر‭ ‬أو‭ ‬فقدان‭ ‬الشهية‭ ‬أو‭ ‬اعتلال‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬الصحة‭). ‬وفي‭ ‬بلداننا‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬ضحايا‭ ‬الأكل‮»‬‭ ‬كثيرون،‭ ‬فالشاب‭ ‬الأكول‭ ‬الذي‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬الأكلات‭ ‬الدسمة‭ ‬ويتباهى‭ ‬بأنه‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يأكل‭ ‬بمفرده‭ ‬نصف‭ ‬خروف‭ ‬وشرب‭ ‬خمس‭ ‬كولا،‭ ‬ويوزع‭ ‬ساعات‭ ‬فراغه‭ ‬بين‭ ‬المطاعم‭ ‬والولائم‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬يأتي‭ ‬عليه‭ ‬يوم‭ ‬قد‭ ‬ترفض‭ ‬فيه‭ ‬بطنه‭ ‬ملعقة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الرز‭ ‬المسلوق‭ ‬بالماء،‭ ‬وقد‭ ‬يتكرش‭ ‬ويتكور‭ ‬حتى‭ ‬تختفي‭ ‬رقبته،‭ ‬وببلوغ‭ ‬الأربعين‭ ‬تكون‭ ‬ركبتاه‭ ‬عاجزتين‭ ‬عن‭ ‬حمله‭. ‬والشاهد‭ ‬هو‭ ‬الحكمة‭ ‬الطبية‭ ‬القائلة‭ ‬بأنه‭ ‬إذا‭ ‬أهنت‭ ‬جسمك‭ ‬في‭ ‬شبابك‭ ‬بالزج‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬يجوز‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الصحية‭ ‬فإنه‭ ‬يهينك‭ ‬وينتقم‭ ‬منك‭ ‬عندما‭ ‬تمضي‭ ‬بك‭ ‬السنين‭.‬

وقد‭ ‬تناقلت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الصحف‭ ‬خلال‭ ‬الأسابيع‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬نتيجة‭ ‬دراسة‭ ‬تقول‭ ‬ان‭ ‬عدد‭ ‬النساء‭ ‬اللاتي‭ ‬يعانين‭ ‬الترهل‭ ‬والبدانة‭ ‬في‭ ‬أربع‭ ‬دول‭ ‬عربية،‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬الرجال‭ ‬الذين‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬البدانة‭ ‬المفرطة،‭ ‬وأنا‭ ‬سيئ‭ ‬الظن‭ ‬بالاستطلاعات‭ ‬والإحصاءات‭ ‬العربية،‭ ‬فدولنا‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬فيها‭ ‬حتى‭ ‬نشرات‭ ‬الأحوال‭ ‬الجوية‭ ‬للتزوير،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬مؤسساتها‭ ‬أرقام‭ ‬دقيقة‭ ‬حول‭ ‬أي‭ ‬شيء‭. ‬ولا‭ ‬أزعم‭ ‬أنني‭ ‬رأيت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬الأربع،‭ ‬ولكنني‭ ‬رأيت‭ ‬مئات‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬وبعضهم‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأكثر‭ ‬فقرا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم،‭ ‬ولا‭ ‬يحتاج‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬دراسة‭ ‬كي‭ ‬أقول‭ ‬ان‭ ‬معظمهم‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬فصيلة‭ ‬الدبابات‭.‬

بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬فان‭ ‬البدانة‭ ‬أكثر‭ ‬تفشيا‭ ‬بين‭ ‬الرجال‭ ‬منها‭ ‬بين‭ ‬النساء،‭ ‬لسبب‭ ‬معروف‭ ‬عالميا،‭ ‬وهو‭ ‬ان‭ ‬النساء‭ ‬أكثر‭ ‬اهتماما‭ ‬بصحتهن‭ ‬ورشاقتهن‭ ‬بينما‭ ‬الرجل‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬تجاهل‭ ‬المرض‭ ‬أو‭ ‬يتداوى‭ ‬بالعون‭ ‬الذاتي‭ ‬دون‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬طبيب،‭ ‬ولا‭ ‬يمارس‭ ‬الرياضة‭ ‬بسبب‭ ‬‮«‬كثرة‭ ‬المشغوليات‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬تلك‭ ‬المشغوليات‭ ‬لا‭ ‬تمنعه‭ ‬من‭ ‬لعب‭ ‬الورق‭ ‬أو‭ ‬الجلوس‭ ‬أمام‭ ‬التلفزيون‭ ‬4‭ ‬ساعات‭ ‬يومياً‭. (‬وأبارك‭ ‬لجماهير‭ ‬الأندلس‭ ‬فوز‭ ‬اسبانيا‭ ‬بالبطولة‭ ‬الأوربية‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭) ‬وهناك‭ ‬كلام‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬سبب‭ ‬بدانة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬الخليجيات‭ ‬هو‭ ‬اعتمادهن‭ ‬على‭ ‬الخادمة‭ ‬في‭ ‬تصريف‭ ‬شؤون‭ ‬البيت،‭ ‬بينما‭ ‬‭ ‬وفي‭ ‬واقع‭ ‬الأمر‭ ‬‭ ‬صارت‭ ‬الاستعانة‭ ‬بالخادمات‭ ‬وباء‭ ‬عاما‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬البلاد‭ ‬العربية،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬متوسط‭ ‬دخل‭ ‬الفرد‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬الشهر‭ ‬على‭ ‬100‭ ‬دولار،‭ ‬ولم‭ ‬تقل‭ ‬تلك‭ ‬الدراسات‭ ‬‮«‬العلمية‮»‬‭ ‬أن‭ ‬نساء‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭ ‬بدينات‭!!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا