العدد : ١٧٠٧٩ - الخميس ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٩ - الخميس ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

وصفة لتفادي الخرف

يأتي‭ ‬مقال‭ ‬اليوم‭ ‬عطفا‭ ‬على‭ ‬مقالي‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬15‭ ‬يوليو‭ ‬الجاري‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬التلفزيون‭ ‬وبيع‭ ‬الوهم‮»‬،‭ ‬وضربة‭ ‬البداية‭ ‬هي‭ ‬أنني‭ ‬أحمد‭ ‬الله‭ ‬بكرة‭ ‬وعشية‭ ‬لأنه‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬أسرتي‭ ‬الصغيرة‭ ‬يعاني‭ ‬الخرف‭ ‬أو‭ ‬أعراضه،‭ ‬بسبب‭ ‬نعمة‭ ‬أنعمها‭ ‬الله‭ ‬علينا،‭ ‬وهي‭ ‬أننا‭ ‬جميعاً‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لنا‭ ‬بالمسلسلات‭ ‬التلفزيونية،‭ ‬ولا‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬بيتنا‭ ‬العبارات‭ ‬السخيفة‭ ‬المحفوظة‭: ‬الجوازة‭ ‬دي‭ ‬مش‭ ‬ممكن‭ ‬تتم‭.. ‬بحبه‭ ‬يا‭ ‬بابا‭.. ‬قطيعة‭ ‬تقطع‭ ‬الرجالة‭ ‬وسنين‭ ‬الرجالة‭.. ‬يللا‭ ‬نروح‭ ‬الأوتيل‭.. ‬بدي‭ ‬أبعد‭ ‬عن‭ ‬جو‭ ‬البيت‭ ‬لأن‭ ‬الماما‭ ‬كتير‭ ‬كتير‭ ‬رجعية‭.. ‬ميرسي‭ ‬كتير‭ ‬لي‭ ‬الله‭.. ‬ترجمتها‭: ‬الشكر‭ ‬لله‭.. ‬جوزي‭ ‬ما‭ ‬بيتعقد‭ ‬لما‭ ‬يشوفني‭ ‬برقص‭ ‬مع‭ ‬حدا‭ ‬غيرو‭ (‬يعني‭ ‬تحمد‭ ‬الله‭ ‬لأن‭ ‬زوجها‭ ‬تيس‭ ‬وهذا‭ ‬حمد‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬موضعه،‭ ‬وهو‭ ‬كأن‭ ‬تقول‭: ‬خطيب‭ ‬بنتي‭ ‬عاطل‭ ‬ولكن‭ ‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬أبوه‭ ‬غني‭.. ‬مهرب‭ ‬مخدرات‭ ‬كبير‭).‬

نعم،‭ ‬نعمة‭ ‬ألا‭ ‬تسمع‭ ‬مثل‭ ‬ذلك‭ ‬الكلام‭ ‬الركيك‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬منه‭ ‬مسلسل‭ ‬تلفزيوني‭ ‬واحد‭. ‬ونعمة‭ ‬ان‭ ‬تحترم‭ ‬عقلك‭ ‬فلا‭ ‬تتابع‭ ‬حكايات‭ ‬مملة‭ ‬ومستنسخة،‭ ‬ونعمة‭ ‬ألا‭ ‬يعرف‭ ‬عيالك‭ ‬مهند‭ ‬ونور‭ ‬وبقية‭ ‬البلطجية‭ ‬الأتراك،‭ ‬وأن‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬في‭ ‬بيتك‭ ‬شاشة‭ ‬تدور‭ ‬فيها‭ ‬مشاجرة‭ ‬بين‭ ‬أم‭ ‬مكسيكية‭ ‬وبنتها‭ ‬لأن‭ ‬الأم‭ ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬مع‭ ‬بوي‭ ‬فريند‭ ‬بنتها،‭ ‬ولا‭ ‬هنودا‭ ‬يفاجئونك‭ ‬بأن‭ ‬زوجة‭ ‬بطل‭ ‬المسلسل،‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬أمه،‭ ‬وأن‭ ‬بنته‭ ‬هي‭ ‬أخته

وما‭ ‬يحملني‭ ‬على‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬الصحف‭ ‬البريطانية‭ ‬نشرت‭ ‬مؤخرا‭ ‬نتائج‭ ‬دراسة‭ ‬أجرتها‭ ‬مراكز‭ ‬بحوث‭ ‬طبية‭ ‬وجامعات‭ ‬أثبتت‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يتابعون‭ ‬المسلسلات‭ ‬التلفزيونية‭ ‬بانتظام‭ ‬يكونون‭ ‬أكثر‭ ‬عرضة‭ ‬للخرف‭ ‬والتخريف‭ ‬بما‭ ‬يعادل‭ ‬13‭ ‬ضعفاً‭ ‬من‭ ‬غيرهم‭ ‬الذين‭ ‬تقتصر‭ ‬مشاهداتهم‭ ‬التلفزيونية‭ ‬على‭ ‬الأخبار‭ ‬والبرامج‭ ‬العلمية‭ ‬والثقافية‭. ‬وما‭ ‬لم‭ ‬استغرب‭ ‬له‭ ‬قط‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬البرامج‭ ‬الكلامية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالدردشة‭ ‬مع‭ ‬الممثلين‭ ‬والمطربين‭ ‬والمشاهير‭ ‬عموما‭ ‬من‭ ‬الجنسين‭ ‬لها‭ ‬نفس‭ ‬تأثير‭ ‬المسلسلات‭ ‬التلفزيونية‭ ‬الضار‭ ‬على‭ ‬الدماغ،‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬بدورها‭ ‬تزيد‭ ‬احتمالات‭ ‬الخرف

لاحظ‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬البحوث‭ ‬تتعلق‭ ‬بمسلسلات‭ (‬متعوب‭ ‬فيها‭)‬،‭ ‬يعني‭ ‬بذل‭ ‬فيها‭ ‬جهد‭ ‬فني‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الحبكة‭ ‬الدرامية‭ ‬وفنيات‭ ‬التصوير،‭ ‬وفي‭ ‬بريطانيا‭ ‬مسلسلات‭ ‬استمرت‭ ‬أربعين‭ ‬أو‭ ‬خمسين‭ ‬ونيف‭ ‬سنة‭ ‬مثل‭ ‬كورونيشن‭ ‬ستريت‭ (‬مات‭ ‬ثلاثة‭ ‬أرباع‭ ‬من‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬حلقاته‭ ‬المائة‭ ‬الأولى‭) ‬وكروس‭ ‬رودز‭ ‬وإيست‭ ‬أندرز،‭ ‬وتقابلها‭ ‬مسلسلات‭ ‬أمريكية‭ ‬واسترالية‭ ‬مثل‭ ‬السوبرانوز‭ ‬ودالاس‭ ‬ونيبرز‭ (‬أي‭ ‬الجيران‭ ‬وهو‭ ‬مسلسل‭ ‬استرالي‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬السخافة‭ ‬حتى‭ ‬ليخيل‭ ‬اليك‭ ‬أنه‭ ‬عربي‭ ‬مدبلج،‭ ‬والدبلجة‭ ‬هي‭ ‬وضع‭ ‬صوت‭ ‬فوق‭ ‬الصوت‭ ‬الأصلي‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬بلغة‭ ‬أخرى‭ ‬وهي‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بالإنجليزية‭ (‬dubbing‭).. ‬أعني‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬مسلسلات‭ ‬ينفق‭ ‬منتجها‭ ‬مئات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭ ‬تسبب‭ ‬الخرف،‭ ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬بمسلسلاتنا‭ ‬التي‭ ‬تكلف‭ ‬مئات‭ ‬الملاليم‭.‬

وبدون‭ ‬أي‭ ‬ادعاء‭ ‬للتواضع‭ ‬فإنني‭ ‬أعتقد‭ ‬أنني‭ ‬ذكي‭ ‬بل‭ ‬عبقري،‭ ‬ففي‭ (‬عصري‭ ‬الجاهلي‭)‬،‭ ‬كنت‭ ‬أتوقف‭ ‬لبضع‭ ‬دقائق‭ ‬عند‭ ‬مسلسل‭ ‬تلفزيوني‭ ‬عربي‭ ‬دون‭ ‬الالتفات‭ ‬لرقم‭ ‬الحلقة،‭ ‬وكنت‭ ‬بعدها‭ ‬أقوم‭ ‬بتأليف‭ ‬ما‭ ‬فاتني‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬وما‭ ‬ستنتهي‭ ‬إليه‭ ‬الأحداث‭ ‬بانتهاء‭ ‬المسلسل،‭ ‬وكنت‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الحالات‭ ‬اكتشف‭ ‬أن‭ ‬تقديراتي‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الدقة‭: ‬سامي‭ ‬سيطلق‭ ‬سالي‭ ‬ومايا‭ ‬ستنتحر،‭ ‬ويونس‭ ‬القفل‭ ‬سيدخل‭ ‬السجن‭. ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬كنت‭ ‬امتحن‭ ‬عبقريتي‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬أعمل‭ ‬بالصحافة‭ ‬المكتوبة‭ ‬وأعد‭ ‬تقارير‭ ‬عن‭ ‬نتائج‭ ‬القمم‭ ‬العربية‭ ‬قبل‭ ‬انعقادها‭ ‬وصدور‭ ‬قراراتها‭ ‬بنحو‭ ‬أسبوعين،‭ ‬ولم‭ ‬تخيب‭ ‬قمة‭ ‬قط‭ ‬ظني‭ ‬فكانت‭ ‬القرارات‭ ‬كما‭ ‬توقعت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة،‭ ‬بل‭ ‬بلغت‭ ‬بي‭ ‬الثقة‭ ‬بالنفس‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬خلال‭ ‬عملي‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬الورقية‭ ‬أجهز‭ ‬الكلمة‭ ‬الافتتاحية‭ ‬عن‭ ‬نتائج‭ ‬اي‭ ‬قمة‭ ‬عربية،‭ ‬قبل‭ ‬انعقادها‭ ‬بأيام،‭ ‬وأسلمها‭ ‬لرئيس‭ ‬التحرير‭ ‬وأقول‭ ‬له‭: ‬لو‭ ‬اكتشفت‭ ‬أنني‭ ‬اخطأت‭ ‬في‭ ‬الاستنتاج‭ ‬والتحليل‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬‮«‬شبه‭ ‬جملة‮»‬،‭ ‬فلك‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬حياتي‭ ‬‮«‬غمة‮»‬،‭ ‬فكان‭ ‬يقول‭ ‬لي‭: ‬على‭ ‬من‭ ‬هاذي‭ ‬السوالف‭ ‬أنتم‭ ‬يا‭ ‬سودانيين‭ ‬أصلا‭ ‬تنطقون‭ ‬القمة‭ ‬غمة‭.. ‬ولم‭ ‬يحدث‭ ‬أن‭ ‬‮«‬غمني‮»‬‭ ‬رئيس‭ ‬التحرير‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا