العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

التبغ والفتك بالعقل

‮«‬سبع‭ ‬صنائع‭ ‬والبخت‭ ‬ضائع‮»‬‭ ‬مثل‭ ‬شعبي‭ ‬مصري‭ ‬يصف‭ ‬حالي‭ ‬تماما،‭ ‬فقد‭ ‬عملت‭ ‬في‭ ‬كوكتيل‭ ‬من‭ ‬المهن،‭ ‬عبر‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمان،‭ ‬وما‭ ‬زلت‭ ‬عاجزا‭ ‬عن‭ ‬تحسين‭ ‬بختي،‭ ‬والبخت‭ ‬هو‭ ‬الحظ‭. ‬جاءت‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المهن‭ ‬ذات‭ ‬عام‭ ‬عندما‭ ‬جلست‭ ‬لاختبار‭ ‬عقدته‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬السودانية‭ ‬لاختيار‭ ‬دبلوماسيين‭ ‬شباب،‭ ‬ونجحت‭ ‬في‭ ‬الامتحان‭ ‬التحريري‭ ‬والمقابلة‭ ‬الشفهية،‭ ‬وكنت‭ ‬ضمن‭ ‬من‭ ‬تم‭ ‬تعيينهم‭ ‬دبلوماسيين‭ ‬بدرجة‭ ‬سكرتير‭ ‬ثالث،‭ ‬ولكنني‭ ‬لم‭ ‬أستمر‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الوظيفة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬أسابيع،‭ ‬فقد‭ ‬قرروا‭ ‬إلحاقنا‭ ‬بـ‮«‬معهد‭ ‬التنمية‭ ‬الإدارية‮»‬‭ ‬لنحو‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭ ‬وكنت‭ ‬‮«‬ما‭ ‬صدقت‮»‬‭ ‬إني‭ ‬تخرجت‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬وارتحت‭ ‬من‭ ‬المحاضرات‭ ‬والامتحانات،‭ ‬وقاطعت‭ ‬الدورة‭ ‬الدراسية‭ ‬فتم‭ ‬تفنيشي،‭ ‬ولم‭ ‬أحزن‭ ‬لذلك‭ ‬فرغم‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬ممتع‭ ‬ويوسع‭ ‬المدارك،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬ينتهي‭ ‬بك‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬‮«‬حفرة‮»‬‭ ‬تظل‭ ‬تناضل‭ ‬طوال‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬للخروج‭ ‬منها،‭ ‬وبكل‭ ‬صدق‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬أحد‭ ‬أقوى‭ ‬الأسباب‭ ‬لرفضي‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية،‭ ‬كان‭ ‬إدراكي‭ ‬أن‭ ‬الالتحاق‭ ‬بالسلك‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬يعني‭ ‬البقاء‭ ‬معظم‭ ‬سنوات‭ ‬العمر‭ ‬خارج‭ ‬الوطن،‭ ‬وكنت‭ ‬وقتها‭ ‬أحس‭ ‬بأنني‭ ‬لو‭ ‬عشت‭ ‬خارج‭ ‬السودان‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬سأكون‭ ‬كالسمكة‭ ‬التي‭ ‬أُخرجت‭ ‬من‭ ‬الماء،‭ ‬ولم‭ ‬أتخيل‭ ‬قط‭ ‬أنه‭ ‬سيأتي‭ ‬علي‭ ‬يوم‭ ‬أناضل‭ ‬فيه‭ ‬كي‭ ‬أخرج‭ ‬من‭ ‬وطني‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬لاحقا‭. ‬

‭ ‬وكنت‭ ‬خلال‭ ‬عملي‭ ‬بالسفارة‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬الخرطوم‭ ‬على‭ ‬علاقة‭ ‬طيبة‭ ‬بمستشار‭ ‬السفارة‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬دائم‭ ‬الشكوى‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬ومن‭ ‬فرط‭ ‬غبائه‭ ‬درس‭ ‬العربية‭ ‬وانتهى‭ ‬به‭ ‬الأمر‭ ‬بـ«تدبيسة‮»‬‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬المهم‭ ‬أنني‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬امتحان‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬السودانية‭ ‬بمكسب‭ ‬كبير‭ ‬وهو‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬ذكي‭ ‬جدا‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬تضمن‭ ‬الامتحان‭ ‬اختبارا‭ ‬للذكاء‭ (‬آي‭. ‬كيو‭) ‬وأحرزت‭ ‬نسبة‭ ‬عالية‭ ‬جدا،‭ ‬ومنذ‭ ‬يومها‭ ‬عشت‭ ‬على‭ ‬وهم‭ ‬أنني‭ ‬شخص‭ ‬نابه‭ ‬ومكحل‭ ‬بالشطة‭ ‬وأفهمها‭ ‬وهي‭ ‬طائرة‭ ‬أو‭ ‬زاحفة،‭ ‬ولكن‭ ‬فريقا‭ ‬من‭ ‬أساتذة‭ ‬جامعتي‭ ‬أبردين‭ ‬وأدنبره‭ ‬في‭ ‬إسكتلندا‭ ‬ببريطانيا‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬نشرته‭ ‬مجلة‭ ‬نيو‭ ‬ساينتيست‭ (‬العلمية‭) ‬إن‭ ‬أبا‭ ‬الجعافر‭ ‬أغبى‭ ‬من‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬نظرائه‭ ‬ورصفائه‭ ‬وزملائه،‭ ‬فقد‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬بحث‭ ‬نشره‭ ‬البروفسور‭ ‬لورنس‭ ‬واللي،‭ ‬والدكتور‭ ‬جون‭ ‬ستار‭ ‬أن‭ ‬التدخين‭ ‬يضعف‭ ‬القدرات‭ ‬الذهنية‭ ‬ويجعل‭ ‬العقل‭ ‬متبلدا،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المدخنين‭ ‬معرضون‭ ‬للخرف‭ ‬والتخريف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المدخنين‭! ‬عندما‭ ‬قرأت‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬التقرير‭ ‬قلت‭ ‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬فمنذ‭ ‬سنوات‭ ‬هجرت‭ ‬التدخين،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬أنني‭ ‬محتفظ‭ ‬بكامل‭ ‬قواي‭ ‬العقلية‭ ‬وما‭ ‬زلت‭ ‬أبا‭ ‬الجعافر‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬أحرز‭ ‬نسبة‭ ‬عالية‭ ‬في‭ ‬اختبار‭ ‬الذكاء‭ ‬ذاك،‭ ‬ولكن‭ ‬التقرير‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬آثار‭ ‬التدخين‭ ‬الضارة‭ ‬بالذكاء‭ ‬تبقى‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬الإقلاع‭ ‬عن‭ ‬التدخين‭ ‬بسنوات‭ ‬طويلة‭.‬

يقول‭ ‬هذان‭ ‬الأستاذان‭ ‬الحاقدان‭ (‬على‭ ‬أبي‭ ‬الجعافر‭) ‬إن‭ ‬المواد‭ ‬الكيميائية‭ ‬السامة‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬التبغ‭ ‬المحروق‭ ‬تدخل‭ ‬الأوعية‭ ‬الدموية‭ ‬التي‭ ‬تغذي‭ ‬المخ‭ ‬بالأوكسجين،‭ ‬وبمرور‭ ‬الزمن‭ ‬يفقد‭ ‬المدخن‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التركيز‭ ‬والتفكير‭ ‬السليم‭ ‬والحسم‭ ‬الواضح،‭ ‬بينما‭ ‬المدخن‭ ‬يعزو‭ ‬ذلك‭ ‬لعدم‭ ‬أخذ‭ ‬كفايته‭ ‬من‭ ‬النيكوتين،‭ ‬فيشعل‭ ‬سيجارة‭ ‬جديدة‭ ‬لـ‮«‬يمخمخ‮»‬‭ ‬ويعدل‭ ‬مزاجه‭ ‬و‮«‬يروِّق‮»‬‭ ‬أعصابه،‭ ‬وتكون‭ ‬النتيجة‭ ‬أنه‭ ‬يزود‭ ‬دماغه‭ ‬بالمزيد‭ ‬من‭ ‬السموم‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬نشاطه‭ ‬الذهني‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬نظرائه‭ ‬غير‭ ‬المدخنين‭. ‬ولعلك‭ ‬تلاحظ‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬لاعبي‭ ‬الورق،‭ ‬فكلما‭ ‬أحس‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬بالزنقة‭ ‬وأراد‭ ‬أن‭ ‬يحسن‭ ‬اللعب‭ ‬أشعل‭ ‬سيجارة،‭ ‬ثم‭ ‬يقدم‭ ‬على‭ ‬لعبة‭ ‬خاطئة،‭ ‬والأمر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬بروفسورات‭ ‬من‭ ‬إسكتلندا‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬التدخين‭ ‬يضعف‭ ‬الرئة‭ ‬وهذا‭ ‬الضعف‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬قلة‭ ‬الأوكسجين‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬الدماغ‭.. ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الدماغ‭ ‬لا‭ ‬يعمل‭ ‬بالكفاءة‭ ‬المطلوبة‭.. ‬وكما‭ ‬قلت‭ ‬قبل‭ ‬قليل‭ ‬فإن‭ ‬شخصا‭ ‬مثلي‭ ‬‮«‬تقاعد‮»‬‭ ‬عن‭ ‬التدخين‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬ألحق‭ ‬بذكائه‭ ‬تلفا‭ ‬بنسبة‭ ‬2%‭ ‬إذا‭ ‬تعاطى‭ ‬التبغ‭ ‬في‭ ‬شبابه‭ ‬لعشر‭ ‬سنوات‭ ‬مقارنة‭ ‬بشخص‭ ‬لم‭ ‬يدخن‭ ‬قط‭.. ‬يعني‭ ‬أبو‭ ‬الجعافر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يلاحظ‭ ‬بعضكم‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬يخرِّف‮»‬‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬معذور‭.. ‬وسبب‭ ‬العلة‭ ‬معروف‭! ‬فانج‭ ‬سعد‭ ‬فقد‭ ‬هلك‭ ‬سعيد‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا