العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

كم نحن طيبون وبسطاء

سردت‭ ‬بالأمس‭ ‬بعض‭ ‬ذكرياتي‭ ‬خلال‭ ‬زياراتي‭ ‬للندن،‭ ‬كطالب‭ ‬علم‭ ‬ثم‭ ‬كخبير‭ ‬أجنبي‭ (‬عندما‭ ‬عملت‭ ‬صحفيا‭ ‬في‭ ‬تلفزيون‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‭)‬،‭ ‬وتحدثت‭ ‬عن‭ ‬مخاطر‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬المعاصرة،‭ ‬حيث‭ ‬ارتفعت‭ ‬معدلات‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬الأقليات‭ ‬المسلمة‭ ‬والسوداء‭ ‬بوتيرة‭ ‬عالية،‭ ‬ومنذ‭ ‬أواخر‭ ‬يوليو‭ ‬المنصرم‭ ‬والأيام‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬أغسطس‭ ‬الجاري‭ ‬والمصلون‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬مساجد‭ ‬بريطانيا‭ ‬يتعرضون‭ ‬للعدوان‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مجموعات‭ ‬يمينية‭ ‬فاشية،‭ ‬وعنصرية‭ ‬استعلائية‭.‬

وبالتأكيد‭ ‬هناك‭ ‬ممارسات‭ ‬عنصرية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬بلدان‭ ‬العالم،‭ ‬وما‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬عربي،‭ ‬إلا‭ ‬وبه‭ ‬أقوام‭/ ‬أقليات‭ ‬تستخف‭ ‬الغالبية‭ ‬بها،‭ ‬وتجعلها‭ ‬موضع‭ ‬تندر‭. ‬ولكن‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬لا‭ ‬يتعرض‭ ‬إنسان‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬لاعتداء‭ ‬لأنه‭ ‬أسود‭ ‬او‭ ‬أسمر‭ ‬أو‭ ‬ذا‭ ‬بشرة‭ ‬فاتحة،‭ ‬ولكن‭ ‬تبقى‭ ‬العنصرية‭ ‬أمرا‭ ‬بغيضا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أشكالها‭ ‬وتجلياتها،‭ ‬لأن‭ ‬منشأها‭ ‬الاستعلاء‭ ‬على‭ ‬الآخرين،‭ ‬والاستعلاء‭ ‬مرض‭ ‬اجتماعي‭ ‬ونفسي‭ ‬قد‭ ‬يصيب‭ ‬الجماعات‭ ‬والأفراد‭. ‬والغني‭ ‬الذي‭ ‬يستخف‭ ‬بشخص‭ ‬ما‭ ‬لأنه‭ ‬فقير،‭ ‬والمدير‭ ‬الذي‭ ‬يستهزئ‭ ‬بالخفير،‭ ‬والمبصر‭ ‬الذي‭ ‬يضحك‭ ‬على‭ ‬الضرير‭. ‬كلهم‭ ‬خسارة‭ ‬فيهم‭ ‬الشعير‭!! ‬وعموما‭ ‬فالاستعلاء‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬ناتجا‭ ‬عن‭ ‬مركب‭ ‬نقص‭.‬

وعودا‭ ‬الى‭ ‬ذكرياتي‭ ‬اللندنية‭ ‬التي‭ ‬كتبت‭ ‬عنها‭ ‬طوال‭ ‬اليومين‭ ‬الماضيين‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬ديارنا‭ ‬بخير‭ ‬وعافية‭ ‬مقارنة‭ ‬بما‭ ‬يسمى‭ ‬بالعالم‭ ‬المتقدم‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬احترام‭ ‬آدمية‭ ‬‮«‬الإنسان‮»‬‭.. ‬تستطيع‭ ‬ان‭ ‬تمشي‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬الرياض‭ ‬والدوحة‭ ‬والمنامة‭ ‬والكويت‭ ‬والخرطوم‭ (‬هذه‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬حيث‭ ‬هناك‭ ‬حرب‭ ‬تطحن‭ ‬العظام‭ ‬والمرافق‭). ‬تستطيع‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬عاصمة‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬الثالثة‭ ‬فجرا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬خوف‭ ‬من‭ ‬ان‭ ‬يتعرض‭ ‬لك‭ ‬شخص‭ ‬لا‭ ‬تعرفه‭ ‬بسوء‭. ‬فحتى‭ ‬المجرمون‭ ‬عندنا‭ ‬‮«‬على‭ ‬قد‭ ‬حالهم‮»‬‭: ‬هذا‭ ‬يخطف‭ ‬حقيبة‭ ‬يد‭ ‬سيدة‭ ‬ويجري‭. ‬وهذا‭ ‬يسرق‭ ‬سيارة‭ ‬ليطوف‭ ‬بها‭ ‬بضع‭ ‬ساعات‭ ‬ثم‭ ‬يتخلص‭ ‬منها‭ ‬حيثما‭ ‬اتفق،‭ ‬وذلك‭ ‬يكسر‭ ‬متجرا‭ ‬لسرقة‭ ‬كذا‭ ‬ساعة‭ ‬او‭ ‬هاتف‭ ‬جوال‭. ‬ففي‭ ‬العواصم‭ ‬الغربية‭ ‬أمريكية‭ ‬كانت‭ ‬أو‭ ‬أوروبية،‭ ‬يضع‭ ‬أحدهم‭ ‬سكينا‭ ‬على‭ ‬رقبتك‭ ‬ويطلب‭ ‬هاتفك‭ ‬الجوال‭ ‬فتعطيه‭ ‬إياه،‭ ‬وزيادة‭ ‬في‭ ‬الكرم‭ ‬تعطيه‭ (‬دون‭ ‬طلب‭ ‬منه‭) ‬ساعتك‭ ‬الرولكس‭ ‬وكل‭ ‬المبلغ‭ ‬الذي‭ ‬في‭ ‬جيبك،‭ ‬فيأخذ‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬ويطعنك‭ ‬في‭ ‬رقبتك‭ ‬وبطنك‭. ‬ويتسلل‭ ‬اللص‭ ‬الى‭ ‬بيتك‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬وعندما‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬شيئا‭ ‬يستحق‭ ‬السرقة‭ ‬يوقظك‭ ‬من‭ ‬النوم‭. ‬ويربطك‭ ‬بالحبال‭ ‬لتخبره‭ ‬عن‭ ‬الأشياء‭ ‬الثمينة‭ ‬المخفية،‭ ‬فتقول‭ ‬له‭: ‬يا‭ ‬ولد‭ ‬الناس‭ ‬والله‭ ‬أغلى‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬بيتي‭ ‬هو‭ ‬التلفزيون‭ ‬‮«‬أبيض‭ ‬وأسود‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تراه‭ ‬أمامك‭! ‬تأتيك‭ ‬ضربة‭ ‬في‭ ‬أنفك‭ ‬تقطع‭ ‬أنفاسك‭. ‬ويقلب‭ ‬اللص‭ ‬البيت‭ ‬فوق‭ ‬تحت‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬مخابئ‭ ‬الثروة‭ ‬وعندما‭ ‬يقتنع‭ ‬بأنك‭ ‬فعلا‭ ‬مفلس‭ ‬يضع‭ ‬شريطا‭ ‬لاصقا‭ ‬على‭ ‬فمك‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تصرخ،‭ ‬وقد‭ ‬تبقى‭ ‬مربوطا‭ ‬وغير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬الاستنجاد‭ ‬بأحد‭ ‬حتى‭ ‬تلفظ‭ ‬أنفاسك‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬لا‭ ‬يتزاور‭ ‬فيها‭ ‬حتى‭ ‬الآباء‭ ‬والأبناء‭.‬

كنت‭ ‬مع‭ ‬عائلتي‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬عندما‭ ‬هجم‭ ‬أحدهم‭ ‬على‭ ‬طلاب‭ ‬مدرسة‭ ‬ابتدائية‭ ‬في‭ ‬دمبلين‭ ‬في‭ ‬اسكتلندا‭ ‬وقتل‭ ‬منهم‭ ‬بالساطور‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬طفلا‭ ‬كلهم‭ ‬دون‭ ‬الثانية‭ ‬عشر،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬لهذا‭ ‬القاتل‭ ‬علاقة‭ ‬بالمدرسة‭ ‬ولا‭ ‬ثأر‭ ‬مع‭ ‬أحد‭ ‬معلميها‭. ‬فقط‭ ‬شخص‭ ‬رأى‭ ‬ان‭ ‬ممارسة‭ ‬القتل‭ ‬بالجملة‭ ‬أمر‭ ‬ممتع‭ ‬فارتكب‭ ‬تلك‭ ‬المجزرة‭. ‬وكما‭ ‬ذكرت‭ ‬أعلاه‭ ‬كنت‭ ‬وقتها‭ ‬أعمل‭ ‬في‭ ‬تلفزيون‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي،‭ ‬وكنت‭ ‬أحيانا‭ ‬أقوم‭ ‬بتسجيل‭ ‬تقرير‭ ‬بصوتي،‭ ‬فأوقف‭ ‬التسجيل‭ ‬واتصل‭ ‬هاتفيا‭ ‬بالبيت‭: ‬البنت‭ ‬رجعت‭ ‬من‭ ‬المدرسة؟‭.. ‬كلكم‭ ‬بخير‭ ‬وكويسين؟‭.. ‬وأخيرا‭ ‬فرجت‭ ‬وغادرنا‭ ‬لندن‭.. ‬كانت‭ ‬زوجتي‭ ‬تقول‭ ‬إنها‭ ‬وفور‭ ‬وصولها‭ ‬الى‭ ‬مطار‭ ‬هيثرو‭ ‬مغادرة‭ ‬لندن‭ ‬ستزغرد‭.. ‬وفور‭ ‬وصولنا‭ ‬الى‭ ‬مطار‭ ‬الدوحة‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬وجهتنا‭ ‬ستزغرد‭.. ‬يا‭ ‬بنت‭ ‬الناس‭ ‬عيب‭.. ‬ولكن‭ ‬ومن‭ ‬فرط‭ ‬فرحتها‭ ‬بمغادرة‭ ‬لندن‭ ‬وبسبب‭ ‬الحياء‭ ‬الوراثي‭ ‬لم‭ ‬تزغرد‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬المطارين،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬دخلنا‭ ‬البيت‭ ‬المخصص‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬الدوحة،‭ ‬حتى‭ ‬فتحت‭ ‬التلفزيون‭ ‬‮«‬على‭ ‬الآخر‮»‬،‭ ‬وأطلقت‭ ‬زغرودة‭ ‬لو‭ ‬سمعها‭ ‬الجيران‭ ‬لأعادتنا‭ ‬السلطات‭ ‬القطرية‭ ‬إلى‭ ‬لندن‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا