يقول الشاعر فاروق جويدة: «إنني أؤمن عن يقين أن سعادتنا تبدأ داخلنا، وأن السعادة في العطاء ربما تفوق السعادة عما يعطيه الآخرون لنا»!
بالفعل، عندما نعيش لنسعد الآخرين، يرزقنا الله بآخرين ليسعدونا، وكلما أعطينا أخذنا دون أن نطلب، لذلك تتحقق تنمية الذات بالتطوع وتنتهي بالنهضة المجتمعية، وتلك هي الثقافة السائدة في المجتمعات المتحضرة، انطلاقا من المبدأ الذي يقول إن مجتمع دون تطوع هو فعليا مجتمع بلا حضارة.
هكذا نشأت وترعرعت تلك المرأة، حتى اتخذت من العطاء أسلوب حياة، وهي تفعل ذلك بمنتهى الصدق والإيمان، أما المقابل الوحيد الذي تنتظره فهو شعورها بالراحة وبالمتعة ومن ثم بالسعادة، وهذا هو المفهوم الحقيقي والجميل للبذل من أجل الآخرين.
أسماء أحمد المدني، مدرب ومحاضر في معهد البحرين للدراسات المصرفية، أول بحرينية تحصل على شهادة «إل إس بي» الاحترافية في اللعب الجاد بالليجو من بريطانيا، عضو مؤسسة كاف التطوع، هي تؤمن بأن وعي الإنسان يقاس بمدى ما يقدمه للآخرين، وبأن العطاء في صمت هو أرقى أنوع العمل التطوعي، فعملك الخيري اليوم هو الذي سوف يتحدث عنك بصوت مرتفع غدا.
لقد كان لنشاط والدتها الاجتماعي أبلغ الأثر في تشكيل وصقل شخصيتها، وفي اتخاذها من العمل الإنساني رسالة سامية لها في الحياة، لتحقق من خلالها ذاتها، ولتنتصر بها على كل التحديات التي واجهتها عبر مشوارها، وما أكثرها.
حول هذه التجربة الإنسانية الملهمة كان الحوار التالي:
حدثينا عن نشأتك؟
- لقد كانت طفولتي من أهم المحطات في مشواري حيث كان لها تأثير قوي في مسيرتي بشكل عام، وخاصة فيما يتعلق بعملي الاجتماعي، فقد نشأت وتربيت على مساعدة الآخر والفضل في ذلك يعود إلى والدتي التي كان لها دور بارز ومهم على هذا الصعيد، وكانت تشاركنا جميعا في كل خطوات الخير التي تقوم بها.
في أي المجالات؟
- لقد كان لها نشاط كبير في كثير من المجالات التطوعية، منها تحفيظ القرآن، والأسر المنتجة والمتعففة، والأسواق الخيرية لصالح بعض الدول مثل فلسطين وباكستان والبوسنة والهرسك وغيرها من الأنشطة والفعاليات التي كنت أتابعها من كثب، ومن ثم تعلمت منها أهمية العمل التطوعي، بل وحرصت على ممارسته منذ نعومة أظافري، حتي بات يمثل بالنسبة إلي نوعا من المسؤولية الاجتماعية، وهو ما أسهم في تشكيل شخصيتي وفي دوري الإنساني في إغاثة الآخر بشكل عام بصرف النظر عن الجنسية أو الهوية، هذا فضلا عن دور المدرسة الاجتماعي في ذلك الوقت والذي كان حافزا لنا لتأدية تلك المسؤولية بكل حماس.
إلى أي مدى تلعب المدرسة اليوم دورا اجتماعيا؟
- للأسف الشديد لم يعد للمدرسة دور اجتماعي بارز مثلما كان على أيامنا، وأذكر أنني في مدرسة الرفاع الغربي الثانوية أعددنا مهرجانا إنشاديا ضخما لجمع تبرعات لصالح دولة فلسطين، وقدمنا من خلاله أوبريت شارك في إعداده الطالبات ومعلمة الموسيقى، وبذلنا جميعا جهدا جبارا في الديكورات واختيار الكلمات والأداء التمثيلي وغيرها من الأمور التي أخرجته في أجمل وأبهى صورة، وأتمنى من كل قلبي أن يتم إحياء هذا الدور المدرسي من جديد والذي نفتقده بشدة اليوم.
ما أجمل مرحلة؟
- في المرحلة الثانوية كانت لدي رغبة في دراسة تخصص الإعلام، ولكني حصلت على بعثة من وزارة التربية والتعليم للدراسة في إحدى الجامعات الأمريكية، وكانت الدراسة معظم الوقت أون لاين، وقد اخترت تخصص العلوم الإدارية، وتخرجت مع مرتبة الشرف، ويمكن القول إن فترة الجامعة من أجمل المراحل التي مرت بي وغيرت الكثير من شخصيتي، حيث أصبحت خلالها أكثر نضجا في علاقاتي مع الآخرين وتحملي للمسؤولية.
هل واجهت صعوبة لكونك مسلمة محجبة؟
-لعل التحدي الأهم كان في الدراسة باللغة الإنجليزية رغم تخرجي من مدرسة حكومية، وهنا انخرطت في منظومة تعليمية مختلفة تماما، وبالطبع واجهت صعوبات في ذلك ولكني تغلبت عليها بمضاعفة الجهد، ولم أواجه أي تحد لكوني عربية مسلمة ومحجبة، بل على العكس كنت أمارس عقيدتي بكل حرية وأريحية.
وبعد التخرج؟
- بعد التخرج في الجامعة عملت لدى وزارة التربية والتعليم، وأود هنا أن أشير إلى الدعم الكبير الذي حصلت عليه من قبل الأستاذة لطيفة عيسى وكيلة التعليم السابقة وكذلك من الشيخ هشام بن عبد العزيز، وقد عملت في مجال الإدارة، ثم تم ابتعاثي بعد عامين للحصول على رسالة ماجستير في مجال إدارة المشاريع في الجامعة العربية المفتوحة.
أهم تحد؟
-أنا أرى أن أصعب تحد يواجه الإنسان بشكل عام أن يتعرض للظلم، في الوقت الذي يعجز فيه عن الدفاع عن نفسه، وخاصة إذا لاقى الخزلان من أناس يفترض منهم أن يساندوه ويدعموه، وهذا ما حدث معي شخصيا في فترة من الفترات ولكني بالإيمان وبالإرادة تخطيت أي تحديات من هذا النوع، ولا شك أن عملي الإنساني ساهم في تخطي أي صعوبات واجهتني خاصة وإنني أراه أكبر من مجرد تقديم مساعدات مادية.
ما رؤيتك الخاصة للعمل الإنساني؟
- في 2019 يمكن القول إنه حدث قفزة في عملي الإنساني العالمي، حيث خضت أول تجربة سياحية إنسانية إغاثية وكانت في لبنان وجيبوتي ثم المغرب العربي، وذلك من خلال عملي مع مؤسسة كاف التطوع التابعة لجمعية كاف الإنسانية، وكانت محطة تغيير مهمة وجذرية في شخصيتي واهتماماتي، وتعلمت منها قيمة تحديد الأولويات والاهتمامات، والانخراط في عالم الإنسانيات بصورة أعمق، خاصة بعد اكتشافي أن الجميع اليوم منشغل بالعالم المادي، وبمعنى آخر لقد أدركت ما يسمى بمفهوم العالم الموازي لكوكب الأرض، وبقيمة النعم التي نتمتع بها في الوقت الذي يفتقد غيرنا لأبسطها.
أهمية الرحلات السياحية الإنسانية؟
- أن تتبرع بمبالغ نقدية أو أشياء عينية للمحتاجين فهذا شيء جميل ولكن أن تقوم بتوصيلها بنفسك إلى المحتاجين إليها فهذا أجمل بكثير لأن في ذلك حفظا لكرامتهم وإشعارهم بإنسانيتهم، وجبرا لخواطرهم، ومن ثم تقديم الدعم النفسي لهم والذي لا يقل أهمية عن المادي، ولعل المرأة بطبيعتها التي خلقت عليها هي أروع من يقوم بهذا الدور، جنبا إلى جنب مع الرجل بالطبع حيث لكل منهما مسؤوليته، وشخصيا استمتعت بقيامي بهذا الدور وسط عوامل مناخية وظروف اجتماعية سيئة للغاية ولكنها كانت متعة ما بعدها متعة.
كيف ترين وعي الجيل الجديد بالعمل الإنساني؟
- لا شك أن هناك وعيا بين الجيل الجديد بالعمل الإنساني وبأهميته ولكننا بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود في هذا الصدد، وهذا هو الدور المهم الذي تقوم به «كاف التطوع»، حيث تركز على تنمية مهارات الشباب القيادية والعملية في هذا الشأن ومن ثم في تشكيل شخصيتهم.
أهم قيمة علمتيها لأبنائك؟
- من أهم القيم التي حرصت على تعليمها لأبنائي قيمة التعاطف مع المحتاج وليس الشفقة عليه، فهناك فرق كبير بين الاثنين، لأن التعاطف يترك أثرا طيبا في نفس الإنسان، وخاصة إذا كان المتطوع شريكا في توصيل المعونات لأصحابها، ولعل أهم ما نحتاجه اليوم هو نشر ثقافة السياحة الإنسانية إلى جانب الترفيهية حتى تصبح جزءا من حياتنا.
وجه الاستفادة من شهادة «ال اس بي»؟
- لقد كنت أول بحرينية تنال هذه الشهادة الاحترافية في اللعب الجاد بالليجو من بريطانيا، وهي تمثل بالنسبة إلي منهجية لأي برامج أو أنشطة تدريبية أقوم بإعدادها أو تصميمها، وحين حصلت عليها لم تكن معروفة في ذلك الوقت، ثم بعد ذلك زاد بها الوعي تدريجيا.
حكمة تسيرين عليها؟
- الحكمة التي أضعها أمام عيني دائما هي «فاقد الشيء يعطيه»، وهو عكس ما يراه البعض الذين يؤكدون مقولة «فاقد الشيء لا يعطيه»، فالشيء الذي افتقدته حرصت على منحه للآخرين، وهو الاحتواء، فقد مررت بظروف نفسية واجتماعية صعبة، ولم أجد من يحتويني، وهنا قررت أن أمنح غيري هذا الشيء، وإشعاره بالسعادة عبر هذا العطاء، والذي يشعرني شخصيا بالمتعة من دون انتظار أي مقابل.
حلمك القادم؟
- مازال حلم الحصول على رسالة الدكتوراه يراودني، رغم أنني أرى أنها كانت بالنسبة إلي وسيلة للوصول للمجتمع، وهذا ما تحقق لي فعليا من دونها، أما الطموح الأكبر فهو الوصول إلى مرحلة الاستقرار بعد كثير من المطبات التي تعرضت لها عبر مسيرتي وخاصة في ظل تحملي لمسؤولية نفسي وأبنائي بمفردي سنوات طوال.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك