أول بحرينية تحصل على شهادة تدريب لذوي التوحد من الكلية الأمريكية للطب الرياضي وتنشئ مركزا فريدا من نوعه للياقة البدنية بالمملكة لذوي التوحد.. مدربة مهارات الحياة لأمهات المتوحدين سناء عبدالله غواص لـ«أخبار الخليج»:
يقول العلامة بن القيم، رحمه الله: «فكم لله من نعمة جسيمة، ومنة عظيمة، تجني من قطوف الابتلاء والامتحان»!
بالفعل، إذا كان الصبر مرا، فعاقبته حلوة، هذا إذا تمتع المرء بشيء من الإيمان وبالثقة في رحمة الخالق وبالرضا بالقضاء والقدر، وذلك هو السر وراء تجاوز هذه الأم البطلة لمحنتها وتحويلها إلى منحة، بعد أن رزقها الله سبحانه وتعالى بطفل متوحد كان وراء إطلاقها أول مشروع رياضي من نوعه للمتوحدين بالمملكة، لتصبح عونا لغيرها من الأمهات اللاتي يعشن التجربة نفسها.
سناء عبدالله غواص، اختبرها القدر بتحد صعب فكانت بقدره، ونجحت فيه بامتياز مع مرتبة الشرف، حيث انتصرت على أوجاعها بالرياضة التي وجدت فيها ملاذها، فكانت أول بحرينية تحصل على شهادة تدريب لذوي التوحد من الكلية الأمريكية للطب الرياضي وتنشئ مركزا للياقة البدنية لذوي التوحد.
هي امرأة من طراز خاص، ترى في الابتلاء نعمة وحكمة، قررت أن تحدث تأثيرا إيجابيا في حياة من حولها فتفردت بتجربة ثرية ومميزة إنسانيا وعمليا، استطاعت من خلالها ترك بصمة خاصة في عالم الرياضة لذوي الهمم الذي ثبت مع التجربة أثره السحري عليهم سواء على الصعيد الجسدي أو المعنوي، والتي سوف نتطرق الى أهم معالمها في الحوار التالي:
حدثينا عن نشأتك؟
طفولتي كانت عادية، ولا أتذكر أشياء ساطعة بها، وقد كنت الابنة الوحيدة للوالدين، وأذكر أن حلمي منذ الصغر كان العمل في وظيفة لها علاقة بالعلاقات العامة أو التسويق أو الإعلانات أو تنظيم الفعاليات أو التصميم، وبالفعل قررت دراسة تخصص التسويق بجامعة البحرين، وقد مارست العمل بعد حصولي على شهادة الثانوية العامة وتحديدا في العام الثاني من الدراسة الجامعية بهدف تحقيق الاستقلال المادي، واضطرني ذلك إلى التسجيل بالدراسة المسائية، وبدأ مشواري العملي في القطاع المصرفي لدى أحد البنوك.
وبعد التخرج؟
بعد التخرج في الجامعة حدث أن تزوجت، وانتقلت إلى العمل لدى بنك آخر، ثم رزقت بطفلي الثاني في 2013 بعد ياسمين طفلتي الأولى، وقد اكتشفت أنه مصاب بالتوحد حين بلغ عمره عاما وثمانية أشهر حين لاحظت معلمته في الروضة بعض الأعراض، التي بلغتني بها بعد عودتي من رحلة عائلية في الخارج، وفي الوقت نفسه كنت قد تعرضت للإصابة بقطع في الرباط الصليبي، وعقب الرجوع إلى المملكة بحثت عن أي معلومات ترتبط بتلك الأعراض، فتوصلت إلى أنها تنم عن الإصابة بمرض التوحد الذي لم يكن لدي أي خلفية عنه، علما بأن عائلتي لم تسجل أي حالة إصابة به.
ةكيف تم التشخيص؟
لقد نصحني أحد اقاربي وهو طبيب بضرورة التشخيص في أسرع وقت، مع العلم بأنه في تلك الفترة لم يكن بالإمكان تشخيص هذا المرض قبل بلوغ الطفل ثلاث سنوات، ولم يكن أمامي سوى السفر به للخارج حرصا على التدخل المبكر وتطبيق التحليل السلوكي الذي تم في مركز تابع لمدرسة عالية بعد العودة، حيث تم التشخيص في دولة كندا، وهناك تدربت على كيفية التعامل معه، وخاصة فيما يتعلق بالتواصل بالصور، كما تأهلت لدى مركز أمريكي لمحللي السلوك المعتمدين وحصلت على شهادة متخصصة في ذلك، والتحقت بمركز يضم محللي سلوك معتمدين من هذا البورد الأمريكي وهو الوحيد في المملكة، ومن خلاله تعلمت التواصل مع ابني المتوحد بلغة الإشارة بهدف تحفيز الكلمات والنطق، الأمر الذي أدى إلى تحسن حالته بدرجة كبيرة، كما تعلم زوجي وابنتي نفس اللغة أيضا.
أصعب مرحلة؟
من أصعب المراحل التي مرت بي كانت وقت اكتشاف مرض ابني وتأهيلي وتدريبي على التعامل معه، وفي الوقت نفسه إجراء عملية لعلاج الإصابة التي تعرضت لها وممارسة الرياضة كجزء من الشفاء، ومن هنا جاء توجهي لاحتراف مجال الرياضة وإطلاق مشروعي الذي يخدم ذوي التوحد وخاصة بعد مشاركتي في مؤتمر في البحرين ضم عددا كبيرا من المدربين العرب في تخصص الصحة والعافية بمختلف المجالات، وبالفعل تفرغت تماما له ولأسرتي، وكان ذلك بعد حوالي عام من تشخيص حالة ابني، وقد شجعني على هذه الخطوة الصعبة زوجي الذي كان لا يزال أكبر سند لي في كل المراحل.
ماذا عن التأهيل للتدريب؟
حتى أصبح مدربة رياضية لذوي التوحد كان لزاما عليّ التدريب الرياضي العام، ثم لفئة ذوي التوحد خاصة، كما تطلب ذلك الدراسة والإلمام بموضوعات عدة ترتبط بذلك، وبالطبع لم يكن الأمر سهلا، حتى انني رسبت في البداية، ثم اجتهدت ونجحت لاحقا، وتمت دراستي لدى أمريكان كوليج للعلوم الطبية، وكانت عبر النت فضلا عن التعلم الذاتي، وبعدها حصلت على شهادة تدريب رياضي لذوي التوحد من الجامعة نفسها، وشاركت في ورشة عملية في أمريكا اجتزتها بنجاح، وكان ذلك وقت جائحة كورونا، وتأهلت بعد حوالي عامين ونصف للقيام بدوري التدريبي على أكمل وجه.
ما تأثير ممارسة واحتراف الرياضة عليك؟
لا شك أنني ممتنة بشدة لدور الرياضة في حياتي بشكل عام، والتي ساعدتني على علاج إصابتي وتخفيف الضغوطات النفسية التي تمر بي من وقت لآخر، والأهم في تحسن حالة ابني وتطورها إلى جانب الحالات الأخرى من الأطفال الذين التحقوا بالمركز والذي يعتبر الأول من نوعه في البحرين.
من أين جاءت تسميته؟
جاءت تسمية المركز انطلاقا من معنى الأعجوبة، والتي قرأت عنها في كتاب تحت عنوان «وندر» وكان يحكي عن حالة طفل يعاني من عيوب خلقيه في شكله، وكثيرا ما تعرض للتنمر بسبب عدم تفهم حالته، وهنا أود التأكيد على ان الإنسان المتوحد يتمتع بشخصية مختلفة عن الآخرين تتسم بالصدق والصراحة وقد حباه الله سبحانه وتعالى بالتميز عن الآخرين، وبإمكانه أن يتعلم الكثير وتتحسن حالته إذا وفرنا له البيئة المناسبة، وتفهمنا احتياجاته، كل حالة على حدة وبحسب ميولها وطبيعتها، ومن ثم يمكن تحفيزه على الإنجاز والعطاء.
أهم التحديات التي واجهتك؟
التحدي المهم الذي واجهني كان تجهيز المركز بالمعدات والمستلزمات اللازمة، وخاصة أننا أطلقنا المشروع وقت جائحة كورونا حيث كان العالم أجمع مغلقا، علما بأنه غير ربحي ويصل عدد الحالات الملتحقة به حاليا إلى حوالي ثلاثين طفلا وبالغا، وهو يستقبل الأشخاص في أعمار تتراوح ما بين ثلا سنوات إلى 29 عاما.
كيف يمكن تحسين حالة المتوحد؟
أهم شيء هو التدخل المبكر وتحليل السلوك وتنمية المهارات من خلال ممارسة الرياضة، وقد حرصت على توفير الكوادر المؤهلة للقيام بذلك، وخاصة فيما يتعلق بوجود الكفاءات والاختصاصيين في هذا المجال، علما بأننا بدانا بثلاثة كوادر مدربة إضافة لي، وكم أتمنى لو أن مثل هذه المشاريع تحصل على معاملة خاصة من قبل الجهات المعنية فيما يرتبط بالدعم وتقديم التسهيلات اللازمة، كذلك هناك نقطة مهمة يجب تأكيدها وهي أهمية تعاون الأهالي معنا ومدى تقبلهم لحالة الطفل، لأن ذلك ينعكس بالسلب أو الإيجاب على الطفل نفسيا وسلوكيا وصحيا.
إلى أي مدى أثرت حالة ابنك على أسرتك؟
بالطبع مثل هذه الحالات تؤثر سلبا أو إيجابا على الاسرة، وبالنسبة إليّ فقد زادت أسرتي ترابطا ومحبة سواء على صعيد العائلة الصغيرة أو الكبيرة، ولعل الشيء الأصعب الذي واجهني في هذا الصدد هو مدى تفهم ياسمين ابنتي لحالة أخيها وعدم تحميلها مسؤوليته، حيث إن فارق السن بينهما عامان وشهران تقريبا، ولله الحمد اليوم هي ملمة بكل ما يتعلق به، وأحاول قدر الإمكان إحداث الموازنة بين احتياجاتهما بحيث لا يطغى طرف على الآخر حتى بالنسبة إلى البرامج والأنشطة التي نخصصها لكل منهما.
نصيحة لأي أم لطفل متوحد؟
نصيحتي لأي أم لطفل متوحد هي أن تتقبله وتتعايش معه لأن الأمر في النهاية ليس اختيارا، وصحيح أنني أمر أحيانا بلحظات ضعف أو إحباط وخاصة حين لا أسمع ابني يتحدث مثل نظرائه في العمر نفسه، ولكني دائما أشعر بالأمل في رحمة الخالق وتحقيق كل الخير له، كما أنني أناشدها بالخروج به إلى المجتمع وعدم الخجل منه فهو نعمة ورزق من الله سبحانه وتعالى، وأن تهتم بممارسته للرياضة التي تعد من أهم أساليب التدخل المبكر التي تسهم في تسهل التواصل بينه وبينها وبين الآخرين إلى جانب الفائدة الجسمانية المحققة من روائها، وهذا ما حدث مع ابني الذي يبلغ عمره حاليا عشر سنوات ويدرس في مدرسة خاصة، حيث يسبقه نظراؤه الأسوياء بعامين دراسيين فقط.
أمنية؟
أتمنى أن يكون هناك أكثر من مركز حكومي لاحتضان ذوي التوحد، وأن أنجح في تهيئة ابني لخوض مرحلة المراهقة بسلام، وأن يصل إلى حالة من الاستقلالية يعتمد فيها على نفسه فقط.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك