يقول دكتور رائد محمد الدعور: «إن السلام الداخلي يعني أن لدى كل فرد منا فسحة من الهدوء والسكون»!
نعم، عندما تشعر بالسلام النفسي تصبح شخصا من النوع الذي يمكن أن يعيش في تناغم مع الآخرين، وهو شيء يأتي من الداخل، فلا تبحث عنه في الخارج، وبذلك تكون قد وضعت قدميك على أول خطوة نحو طريق السعادة.
تلك هي قناعة هذه المرأة التي ترى أن العثور على السلام الداخلي يعد إنجازا رئيسيا في الحياة، ورغم كونه شعورا يصعب الوصول إليه، إلا أنه بإمكان أي شخص أن يسعى إلى تحقيقه من خلال أسلوب تعامله مع نفسه ومع الآخرين، وأنه في حالة بلوغه فإنه يتحول إلى سند وقوة، ومن هنا جاء تأكيدها لأهميته انطلاقا من القناعة بأن النجاح يعني أن تحب ذاتك أولا.
د. ريم أحمد البوعينين، نائب الرئيس للشؤون الأكاديمية والبحثية في الجامعة الأوروبية، تم اختيارها ضمن مائة امرأة بحرينية تميزت في العمل الوطني وضمن عشر سيدات بحرينيات مؤثرات في التغيير السياسي في منطقة الخليج والأردن واليمن، كانت أول بحرينية تحصل على الدكتوراه في إدارة الجودة في التعليم العالي، هي ترى أن تحقيق جودة الحياة والسلام الداخلي من أهم الأهداف التي يجب أن نسعى إليها، ومن هنا جاء محور باكورة مؤلفاتها والذي تولدت فكرته أثناء دراستها في بريطانيا.
رحلتها العلمية والعملية تحمل الكثير من الكفاح والتميز، ومشوارها نحو التصالح مع الذات وتحقيق السلام الداخلي طويل وثري، وهذا ما سوف نتطرق له تفصيلا في السطور التالية:
حدثينا عن نشأتك؟
لقد نشأت في بيئة محبة للعلم والتعلم بشدة، حيث أصر الوالدان على أن يحمل أبناءهم ثماني شهادات عليا، ومن ثم لم يكن النجاح في الدراسة بالنسبة إلي خيارا، بل هو هدف في حد ذاته، كما كنت قارئة نهمة للعلم والمعرفة منذ الصغر، وشملت قراءاتي العديد من الكتب السياسية والفلسفية وغيرها التي أثرت مكتبتنا الضخمة في المنزل والتي تضم مختلف أنواع المؤلفات، وأذكر أنني عند عمر 15 عاما بدأت الاطلاع على إصدارات يفوق محتواها مستوى عقلي وفكري في هذه السن، أما حلمي المستقبلي فكان دائما أن أرى نفسي شخصية قيادية في وظيفة غير تقليدية.
متى بدأ مشوارك مع علم الفيزياء؟
لا شك أن تعلقي بمادة الفيزياء كان نقطة تحول في حياتي بشكل عام، ففي المرحلة الثانوية ارتبطت بها بشدة، وقررت التعمق فيها ومن ثم دراستها في المرحلة الجامعية، حيث وجدت فيه الكثير من الحلول للعديد من الألغاز، واكتشفت مع هذا العلم أنه ليس هناك حقائق مطلقة أو بالأحرى مسلمات في الحياة، وأن كل شيء نسبي، وبالتالي لم أعد منحازة لأي رأي بشكل تام، وبعد التخرج التحقت بقسم الفيزياء بجامعة البحرين، ثم انتقلت إلى وزارة التربية والتعليم كمعلمة لمادة الفيزياء مدة خمس سنوات، وأثناء تلك الفترة أعددت رسالة الماجستير.
ماذا كان موضوع رسالة الماجستير؟
موضوع رسالة الماجستير كان عن جودة التعليم، وقد مثلت بالنسبة إلي نقطة تحول كبرى في مساري الوظيفي، وقد كان لدى وزارة التربية والتعليم في ذلك الوقت توجه كبير نحو ما يسمى بجودة التعليم، الأمر الذي فتح أمامي فرصا كبيرة للعمل في هذا المجال، وتم ابتعاثي لنيل درجة الدكتوراه في جودة التعليم العالي في بريطانيا، وأنجزت ذلك خلال خمس سنوات، وهناك تولدت لدي فكرة تأليف أول إصدار لي.
إلى ماذا تطرق إصدارك الأول؟
لقد اطلعت على كثير من الكتب التي تربط علم الفيزياء بالفلسفة، وبدأت التأمل في الكون، وهنا اختلفت رؤيتي للكثير من الأشياء، وأصبحت خبرتي أوسع في عديد من المجالات ذات العلاقة، وقمت بتدوين الكثير من الأفكار التي قررت أن أجمعها في كتاب يتحدث عن جودة الحياة والسلام الداخلي وكيفية الوصول إليه من خلال نظرتنا للأمور بشكل مختلف، فكثيرا ما كنت أرى أن الإنسان يقاصص نفسه بالطموح، ومن ثم يفقد السلام النفسي الذي يصعب تحقيقه خاصة وأنه يتطلب نوعا من التوازن بين أشياء كثيرة.
في رأيك كيف يتحقق السلام الداخلي؟
شخصيا لدي قناعة بأن السلام الداخلي يتحقق بالرضا والقبول بما أنت عليه، وبما حققته، والامتنان لكل ما تملك، وبالطبع هذا أمر يتفاوت من شخص إلى آخر، فما يسعد البعض لا يكون بالضرورة كذلك مع الآخرين، فأحيانا شيء بسيط يكون سبب بهجة شخص ما، وهي عملية نسبية في نهاية الأمر، وبشكل عام يمكن القول بأن التصالح مع الذات يتحقق بالالتزام بالأخلاق السامية وبالتسامح وبالصدق مع الآخرين وكذلك مع النفس.
ماذا بعد الدكتوراه والعودة إلى البحرين؟
أثناء إعداد رسالة الدكتوراه كنت أشغل منصب رئيس قسم التراخيص ومعايير الاعتماد الأكاديمي في التعليم العالي، ثم تم تعييني مدير إدارة الجودة، وبعد حصولي عل الدكتوراه التحقت بجامعة بوليتكنيك البحرين كمديرة إدارة قياس الجودة والتحليل والتخطيط، وأصبحت عضوا في الشبكة الخليجية لضمان الجودة والاعتماد الخليجي، وكذلك في لجنة الاعتماد الأكاديمي التي تم تشكيلها من قبل صاحب السمو رئيس مجلس الوزراء، كما عينت نائب رئيس الشؤون الأكاديمية ثم نائب الرئيس للشؤون الأكاديمية والبحثية في الجامعة الأوروبية، ولا شك أن أهم نقلة بالنسبة إلي كانت الانتقال إلي جامعة بوليتكنيك حيث مثلت لي فرصة لتطبيق ما تعلمته عن إدارة الجودة في التعليم العالي.
أصعب تحد؟
يمكن القول إن أصعب مرحلة مرت بي كانت أثناء جائحة كورونا، والتي جاءت بعد ستة أشهر من تعييني كنائب رئيس للشؤون الأكاديمية بجامعة بوليتكنيك، حيث قمت في نفس الفترة بعمل الرئيس لفترة، ولكني كنت بقدر التحدي، وكنت فخورة بسلاسة سير العملية التعليمية أون لاين، أما التحدي الأكبر فكان أثناء دراسة رسالة الدكتوراه، حيث كنت أما وزوجة وطالبة، فضلا عن تعرضي لعارض صحي في تلك الفترة، ولكن بفضل دعم زوجي وأسرتي اجتزت هذه المرحلة بسلام رغم قسوتها.
أهم إنجاز؟
أهم إنجاز بالنسبة إلي هو تقلدي منصبي الحالي كنائب رئيس لجامعة من أعرق الجامعات، فلا شك أن اختياري للقيام بهذه المهمة ينم عن ثقة في قدراتي ومؤهلاتي وكفاءتي، ولكن وبرغم كل ما حققته، إلا أنني تعلمت درسا مهما في مدرسة الحياة، وهو أن أضع أسرتي دائما في صدارة أولوياتي، صحيح أن العمل مهم، والنجاح ممتع، لكن تبقى العائلة دوما في المقدمة بالنسبة لي، فالغرق في العمل بدرجة مرضية ليس أمرا صحيا، بل يجب الموازنة بين أن تحب نفسك وأسرتك وعشقك للعمل، فموقعي في أسرتي هو الأهم، وهذا هو ما تعلمته خلال مشواري وتجربتي الشخصية.
هل ذقت يوما طعم الفشل؟
أنا أرى أن الفشل أو النجاح هو شيء نسبي، فمن الصعب أن نحكم على شخص ما أنه فاشل أو ناجح، لأنه في النهاية أمر يرتبط بإحساس الشخص بنفسه، وعموما أنا من الشخصيات التي تتحاشى دوما الوقوع في براثن الفشل، وأحاول أن أتخطى أي عقبة في أسرع وقت ممكن وكذلك الخروج من أي أزمة بسلام وعدم التوقف عندها طويلا، وهذا يعد من وجهة نظري نجاحا في حد ذاته.
نصيحتك الدائمة لأبنائك؟
نصيحتي الدائمة لأبنائي ألا يصبحوا في يوم من الأيام ضحايا للمثالية المفرطة، وأن تكون طموحاتهم واقعية، وأن يكونوا على ثقة بأن الوصول يتطلب تضحيات، وأن التوازن هو مفتاح الحياة المستقرة، وشخصيا اعتدت أن أكون دوما إنسانة واقعية، وأرى أن ما حققته فاق توقعاتي.
حلمك القادم؟
أحلم بأن أتمكن من ترك إرث ثقافي مدون سواء لأبنائي أو للآخرين، وأن يرى كتابي الفلسفي الأدبي الأول النور قريبا، ولله الحمد أنا راضية بما حققته، حتى لو لم أخطط له، كما أنني أنصح بعدم الإغراق في التخطيط، حتى لا يصاب الإنسان بخيبة أمل أو بنوع من الإحباط حين يخفق في تحقيق هدفه، والأهم هو أن يكون مثابرا ومفعما بالطاقة الإيجابية تحت أي ظروف.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك